وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ

فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ

إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ

﴿الذاريات 22-23

 

مفهوم السعي (الى الرزق)

 

لعل هذا المثال هو الاكثر وضوحا على سوء فهم الكثيرين من المسلمين للقران ومعانيه، وربما كان من اخطرها ايضا اذ انه يتعدى (عن قصد او فهم او دون قصد او فهم) الى التحريف في النص القراني.  تروي لنا السطور التالية التفاصيل المتعلقة بالموضوع في حوار جرى بيني وبين احد المعارف السابقين التقيت به في المسجد:

 

هو ليس امام المسجد ولكنه صلّى بنا صلاة الفجر.  سألني عن عملي  فقلت له انني تركت العمل وتفرغت للعباده.  فسال:  ومن اين تصرف على نفسك وعيالك؟  اجبته:  الرزق على الله والحمد لله رب العالمين المتكفل بالرزق.  فقال لي:  لكن العمل عباده.  اجبته بان هذه العبارة ليست في الكتب الدينيه.  قال لي:  ان ديننا دين عمل. قلت له وايضا هذه غير موجوده.  قال القران يحض على العمل في الآيه:  " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم".  قلت له ان هذه الآيه في سورة التوبه التي تحدثت عن المنافقين.  والخطاب هنا استكمال لما ورد في الآية التي سبقتها من ان الله يقبل التوبة عن عباده.  والعمل في هذه الآية لا يعني الوظيفه، وانما يقصد بلفظ "اعملوا" توجيه التحذير للمنافق بان الله مطلع على اعماله وسيحاسبه عليها، وان الاولى له ان يتوب.

 

 قال لي عندها ان الله هو الذي طلب منا ان نسعى الى الرزق.  فقلت:  كلام الله موجود في القران فاين ورد ذلك؟  رد علي:  الله يقول "فاسعوا في مناكبها".  سالته ثلاث مرات واكد لي ثلاثا بان هذا اللفظ موجود في القران، وان لم يستطع ان يحدد لي الموضع. قلت له لعلك تقصد الاية في سورة الملك، وقرات عليه من المصحف قوله تعالى في الاية 15:

... فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ...

اسقط في يده عندما اتضح له ان عبارة "فاسعوا في مناكبها" وتنسب الى الله للحث على العمل والسعي في طلب الرزق ليس لها وجود في القران.  حاول انقاذ مفهوم السعي في الايه وان لم يسعفه اللفظ فقال:  لكن الاية تقول "وكلوا من رزقه".  فشرحت له معنى الاية على وجه التقريب بالقول: ان الله ذلل الارض لنا بتسهيل العيش عليها والتنقل فيها والاستفادة من مواردها، وان الاية طلبت المشي والسفر في الارض، وطلبت منا ان ناكل من (وليس ان نسعى الى) رزق الله الذي تكفل الله لنا به وهو موجود وجاهز لنمد ايدينا ونتناوله، واننا سنرجع الى الله بالبعث للحساب على التطبيق العملي لمعنى الايه.  هذا المعنى من بسط الارض وتمهيدها وتثبيتها وتسهيل التنقل عليها ليسهل علينا العيش عليها والتنقل في ارجائها موجود في الآيتين 19 و 20 من سورة نوح على النحو التالي:

 

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا

وللتخفيف من وطأة الموقف عليه قلت:  بما انك متاكد من ان كلمة "فاسعوا" موجودة في القران فانها فعلا وردت في سورة الجمعه، وقرات عليه الاية دون النظر الى المصحف فقلت:  يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى "رزق" الله.  عندها اعترض وقال: الى "ذكر" الله.  فاعدت عليه الايه مرددا كلمة "رزق"، لكنه صححني مرة اخرى.  فقلت:  اليس هذا هو المعنى الذي تحاول اثباته بعبارة "فاسعوا في مناكبها"؟  فلو كان القران يؤيد عبارتك هذه، لكانت الاية وردت بالنص الذي اقترحته انا عليك.  والصحيح هو ان نص الاية 9 من سورة الجمعة:  

... فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ...

وقد تكرر هذا الموقف بهذا المعنى مرات عديدة مع من تحدثت معهم في اماكن ومناسبات مختلفة اجمعوا فيها زرافات ووحدانا، على ان عبارة "فاسعوا في مناكبها" وردت في القران.  وسمعت هذا القول حتى من احدى الاخوات التي قالت انها تحفظ كتاب الله.  ومنهم من تابع سيره في الطريق الخطأ بان نسب الى الله القول: اسعى يا عبدي وانا بسعى معك، وهذا تعبير ليس له اصل في الدين، فالله هو الرزاق وهو ليس بالساعي.

 

نخلص مما تقدم الى ان بعض المسلمين قد ادخلوا في مخيلتهم القرانية كلاما ما هو بكلام الله وان وسوسة الشيطان قد ترسخت لدى البعض منهم الى درجة الايمان.  و النتيجة الاخرى هي ان مفهوم السعي في ما ورد اعلاه من القران يرتبط بالذكر ولا يرتبط بالرزق.  ومن المؤكد ان الحكمة تقضي بان لا نقف عند هذا الحد، بل نمضي لنستطلع معاني كلمة "السعي" وتصريفاتها في مواضع مختلفة من القران وردت فيها.

 

وجدت في المراجع ان عدد الكلمات هو 18 وعدد الكلمات الكلي للجذر "سعي" هو 30 وردت في القران على النحو التالي:

السَّعْيَ: الصافات/ 102

= فَلَمَّا بَلَغَ مَعَه السَّعْيَ قَالَ يَا بنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحكَ فَانظرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تؤْمَر سَتَجِدنِي إِن شَاء اللَّه مِنَ الصَّابِرِينَ

تَسْعَى:  طه/15/20 /66 (ثلاث مرات) 

 =إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَاد أخْفِيهَا لِتجْزَى كلّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى

=فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى

=قَالَ بَلْ أَلْقوا فَإِذَا حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ يخَيَّل إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى

سَعَوْ:  سبأ/5

= وَالَّذِينَ سَعَوْ فِي آيَاتِنَا معَاجِزِينَ أوْلَئِكَ لَهمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ

سَعَوْا:  الحج/51

= وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا معَاجِزِينَ أوْلَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيمِ

سَعَى:  البقرة/205 النجم/39 النازعات/35 (ثلاث مرات) 

= وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيفْسِدَ فِيِهَا وَيهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّه لاَ يحِبّ الفَسَادَ

= وَأَن لَّيْسَ لِلاِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَى

= يَوْمَ يَتَذَكَّر الاِنسَان مَا سَعَى

سَعْيًا:  البقرة/260

= وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصرْهنَّ إِلَيْكَ ثمَّ اجْعَلْ عَلَى كلِّ جَبَلٍ مِّنْهنَّ جزْءاً ثمَّ ادْعهنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

سَعْيَكُم:  الليل/4

= إِنَّ سَعْيَكمْ لَشَتَّى

سَعْيَهَا:  الإسراء/19

= وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهوَ مؤْمِنٌ فَأولَئِكَ كَانَ سَعْيهم مَّشْكوراً

سَعْيَهُ:  النجم/40

= وَأَنَّ سَعْيَه سَوْفَ يرَى

سَعْيُكُم:  الإنسان/22

= إِنَّ هَذَا كَانَ لَكمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيكم مَّشْكوراً

سَعْيُهُم:  الإسراء/19 الكهف/104 (مرتان)

= وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهوَ مؤْمِنٌ فَأولَئِكَ كَانَ سَعْيهم مَّشْكوراً

= الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيهمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَهمْ يَحْسَبونَ أَنَّهمْ يحْسِنونَ صنْعاً

فَاسَعَوْا:  الجمعه/9

= يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنوا إِذَا نودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجمعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَروا الْبَيْعَ ذَلِكمْ خَيْرٌ لَّكمْ إِن كنتمْ تَعْلَمونَ

لِسَعْيِهَا:  الغاشية/9

= لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ

لِسَعْيِهِ:  الأنبياء/94

= فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهوَ مؤْمِنٌ فَلا كفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَه كَاتِبونَ

وَسَعَى:  البقرة/114 الإسراء/19 (مرتان)

= وَمَنْ أَظْلَم مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يذْكَرَ فِيهَا اسْمه وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهمْ أَن يَدْخلوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهمْ فِي الدّنْيَا خِزْيٌ وَلَهمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ

= وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهوَ مؤْمِنٌ فَأولَئِكَ كَانَ سَعْيهم مَّشْكوراً

وَيَسْعَوْنَ:  المائدة/33 /64 (مرتان)

= إِنَّمَاجَزَاء الَّذِينَ يحَارِبونَ اللّهَ وَرَسولَه وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يقَتَّلواْ أَوْ يصَلَّبواْ أَوْ تقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجلهم مِّنْ خِلافٍ أَوْ ينفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهمْ خِزْيٌ فِي الدّنْيَا وَلَهمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ

= وَقَالَتِ الْيَهود يَد اللّهِ مَغْلولَةٌ غلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلعِنواْ بِمَا قَالواْ بَلْ يَدَاه مَبْسوطَتَانِ ينفِق كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهم مَّا أنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طغْيَاناً وَكفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهم الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كلَّمَا أَوْقَدواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّه وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّه لاَ يحِبّ الْمفْسِدِينَ

يَسْعَوْنَ:  سبأ/38

= وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِيآيَاتِنَا معَاجِزِينَ أوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ محْضَرونَ

يَسْعَى: القصص/20 يس/20 الحديد/12 التحريم/8 النازعات/22 عبس/8 (ست مرات)

= وَجَاء رَجلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا موسَى إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرونَ بِكَ لِيَقْتلوكَ فَاخْرجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ

= وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعوا الْمرْسَلِينَ

= يَوْمَ تَرَى الْمؤْمِنِينَ وَالْمؤْمِنَاتِ يَسْعَى نورهم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بشْرَاكم الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هوَ الْفَوْز الْعَظِيم

= يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنوا توبوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصوحاً عَسَى رَبّكمْ أَن يكَفِّرَ عَنكمْ سَيِّئَاتِكمْ وَيدْخِلَكمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَار يَوْمَ لا يخْزِي اللَّه النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنوامَعَه نورهمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقولونَ رَبَّنَا اَتْمِمْ لَنَا نورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

= ثمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى

= وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى

ينطبق الكلام المتقدم من ان مفهوم السعي في القران لا يتعلق بالفهم الخاطئ لدى البعض بان السعي هو للرزق على جميع هذه الايات.  حتى كلمة السعي في الاية الاولى اعلاه تعني السير والحركة بحركة ابيه.  ونحن نعلم ان في هذا اشارة الى بلوغ اسماعيل السن التى يستطيع فيها مساعدة ابيه في رفع القواعد من البيت الحرام. 

 

والمفهوم الصحيح في القران هو تعلق السعي بالذكر والعمل الصالح للاخرة، كما ورد ثلاث مرات في الاية 19 من سورة الاسراء: 

ومن اراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن 

 فاولئك كان سعيهم مشكورا  

يوجد من محبّي الجدل من ينقل الحديث في هذا الموضوع من القران الى الحديث اما واهما او مضللا.  فالمسلم يعلم اوثق العلم بان لا تعارض بين كلام الله وكلام رسوله.  والاولى بهؤلاء ان يتوقفوا عند هذا الحد الذي وقف القران عنده، وان لا يكشفوا عن جهلهم بالحديث بايرادهم احاديث لا تخدم في معناها الصحيح المعنى الذي يرمون اليه.  ولعل من الافضل في هذا المقام ايراد بعض الاحاديث الصحيحة لتاكيد المعنى الذي ورد في القران، وترك الاحاديث التي اوردوها.

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضى الله عنه ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلاً، فَيَسْأَلَهُ، أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ‏"‏‏.‏

 

هذا الحديث من صحيح البخاري ورد تحت عنوان التعفف عن المسالة ولم يرد في الحض على السعي الى الرزق.  فالمعنى ان لا لوم على الرجل الذي لا يسعى الى الرزق حتى يبدأ بسؤال الناس، فلهم عندها مسائلته.

 

عَنْ اَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ كَانَ اَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ اَحَدُهُمَا يَاْتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالاخَرُ يَحْتَرِفُ فَشَكَا الْمُحْتَرِفُ اَخَاهُ اِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ‏"‏ لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ ‏"‏ ‏.‏

 

هذا الحديث رواه الترمذي باسناد صحيح على شرط مسلم يدل على فضل الزهد، وهو يذكر المنفقين على غيرهم ان الله يرزقهم بهؤلاء الغير وان اشتكوا منهم انهم عاطلين عن العمل مقصرين في السعي في طلب الرزق.

الذين يجادلون حتى بعد سقوط ما افترضوا وجوده في القران وفي الحديث ينتقلون الى القول بان السعي في طلب الرزق سنّة النبي، فقد كان نفسه راعيا ثم تاجرا.  والرد البسيط على هذا القول هو ان النبي عندما بلغ الاربعين ونزل عليه الوحي تفرغ للعباده.  وقد نقل عن ابن عباس ان اهل المدينة كانوا اذا بلغ احدهم اربعين سنة تفرغ للعباده.  فلماذا يعيب البعض على من تجاوزوا الاربعين تفرغهم لعبادة الله؟  فالله الذي وهب لك كل النعم له عليك المنة والفضل وان تقابل نعمه بان تهب له الافضل من سني عمرك، لا ان تنتظر حتى تعجز عن العباده، ويصبح وقتك بلا مردود.

 

هناك احاديث تفيد بان الانبياء كانوا يعملون.  لناخذ المثال التالي:

 

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعاما ً خيرا ً من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود

عليه السلام كان يأكل من عمل يده."  رواه البخاري

 

هذا الحديث لا يدل بالضرورة على ان الانبياء كانوا يسعون في طلب الرزق.  فالنبي داود كان ياكل في البداية من بيت المال، فاحب ان لا يكون عالة على المستحقين، فعلمه الله صنعة لبوس.  لكن هذا لا يعني انه تفرغ للعمل، بل ورد انه كان يصنع الدرع ويبيعه ويأكل من ثمنه ولا يصنع درعا جديدا حتى يكون قد انفق دخله من الاول.

 

ولعل المجادلين الاكثر فشلا هم الذين ينتقلون بسرعة فائقة من موضوع القران الى موضوع الحديث الى الخلفاء الراشدين عموما.  وقد اتضح من تشعبات الجدل في هذا الصدد ايراد المجادلين للقول المشهور عن الخليفةعمر بن الخطاب:  أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.  قد يكون صحيحا انه قالها لشخص عاطل عن العمل جالس في المسجد، لكن الدافع لم يكن للحث على السعي الى الرزق وانما للمحافظة على الدين.

 

فقصة عمر بن الخطاب هي انه دخل الى المسجد فوجد رجلا عرف منه انه لا يعمل اعتمادا منه على معنى الحديث:  لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتعود بطانا.  فقال له عمر ان السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وذلك في اشارة واضحة الى فهم الرجل المجزوء لحديث رسول الله.  فالرجل يؤمن بان الرزق من السماء وهو محق في ذلك، لكن عدم التوكل على الله "حق" التوكل ينقل المسألة الى بند التواكل وعدم الاخذ بالاسباب، وهنا تكمن الخطورة على الدين والعقيدة الكافية لان تحرك في الخليفة الراشد وقفة المدافع الذي لا يتزعزع.

 

كيف فهم بعض التابعين مسألة التوكل على الله حق التوكل؟  قال الفضيل بن عياض:  لو علم الله منك اخراج المخلوقين من قلبك لأعطاك كل ما تريد.  ما احوجنا الى فهم هذا الكلام في هذا الزمان، فقد امتلأت قلوبنا باليقين على المخلوقين ابتداء من الذات الى الابن والقريب الغني، ورب العمل الذي يدفع لنا راتبنا الشهري، او راتب المعاش او التقاعد او الضمان الاجتماعي، والمصرف الذي يمدنا بالقروض متى شئنا. فلا نستحي ان نقول اننا لو جلسنا في المسجد فان الله لا يرزقنا!  فهلا اخرجنا المخلوقين من قلوبنا اولا وتيقنّا على الله حقا ثم جلسنا وطلبنا الرزق؟

 

وقد فسر الامام احمد مفهوم التوكل فقال:  هو قطع الاستشراف باليأس من المخلوقين.  قيل له فما الحجة فيه؟  قال:  قول ابراهيم لما القي في النار، فعرض له جبريل فقال:  الك حاجه؟  قال ابراهيم:  اما اليك فلا.  ما ادق هذا الفهم للفضيل بن عياض وهذا التفسير للأمام احمد لناحية اخراج المخلوقين من القلب وانفراد الله فيه.  وما اروع التطبيق العملي من سيدنا ابراهيم، ليس في قلبه احد سوى الله، لا يشغله عنه شاغل حتى لو كان ذلك الموت احتراقا في نار عظيمه، فاستحق بذلك نصرة الله المباشره الفورية لان يقينه بالله خالص له متواصل لا ينقطع.

 

الحديث عن حق التوكل، اي التوكل الحقيقي، ينقلنا الى المثال الارسخ في هذا الموضوع:  مريم ابنة عمران.  اعتكفت في المحراب فكفلها الله لزكريا الذي كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا (وليس وجد عندها طعاما) اي من السماء وربما من الجنه.  فكانه كلما جاء اليها زكريا ليسالها ان كانت تحتاج شيئا كان الجواب ماثلا امام عينيه دون ان تتكلم معه، اي انها لم تحتج منه شيئا.  وحتى لا يظن زكريا بان احدا من البشر غيره هو الذي يحضر لها ما تحتاج، كان الرزق من النوع الذي لا يتوفر في ذلك الفصل من السنة، ولا في تلك المنطقة الجغرافيه.

 

وقد قيل لي ان هذا الذي حدث لمريم كان بسبب انها في مرتبة الانبياء، فقلت ان هذا بسبب حق توكلها على الرزاق ذي القوة المتين.  وان الكرامة لمريم يمكن لها ان تكون لاي بشر وصل بايمانه الى مرتبة حق التوكل على الله.  وان ما حدث مع مريم لا يحدث لاحدنا لان حق توكلنا هو على من يعولنا، او على راتبنا اخر الشهر، او على انفسنا لاقتناعنا بان رزقنا انما يتحصل بسبب سعينا الشخصي ليس الاّ.

 

يقول المجادلون لمن لا يسعى في طلب الرزق:  لو جلسنا جميعا في المساجد فهل ياتينا رزقنا الى المساجد؟  ولو جلسنا جميعا في المساجد فمن يدير الاقتصاد؟  والحقيقة هي ان من لا يسعى الى الرزق لا ينادي بالضرورة بان يجلس المسلمون في المساجد ولا يفترض بان يترك الجميع الاقتصاد من دون من يديره.

 

واذا كان كل منا ميسر لما خلق له، فان الله سوف يهيئ كلا منا لتغطية جانب من جوانب حياتنا، لا نستثني من ذلك الحاجة الى من يتفقه في الدين.  فقد طالبت الاية 122 قبل نهاية سورة التوبة بذلك:

... فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ...

فالحكمة اذا في ان لا ننصرف جميعا الى الجلوس في المساجد، ولا ان تاخذنا الدنيا الفانية ببريق الذهب وفتنة المال فنتجه جميعا الى الاقتصاد والمال والاعمال.

 

ما اروع الكلام الذي قاله الصحابي ابو الدرداء:

"كنت تاجرا قبل ان يبعث النبي، فلما بعث النبي اردت ان اجمع بين التجارة والعبادة فلم يستقم، فتركت التجارة واقبلت على العباده.  ما احب ان لي اليوم حانوتا على باب المسجد لا يخطئني فيه صلاة، اربح فيه كل يوم اربعين دينارا واتصدق بها كلها في سبيل الله.  قيل له وما تكره من ذلك؟  قال شدّة الحساب.  ما اقول ان الله عز وجل لم يحل البيع ويحرم الربا، ولكن احب ان اكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.

 

بمثل هذا الكلام الرائع وهذا الفهم الراقي للقران وهذا التاسي الحسن بالنبي القدوه استحق ابو الدرداء صحبة النبي.  وبمثل فهم المجادلين في هذا العصر استحقوا صحبة المال والجاه والولد.

 


كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ


لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ

(ص 29)



وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا

وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (الأعراف 19)



فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا

وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ

 إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ

(الأعراف 20)



فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا

 وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ

 وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ

 وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (الأعراف 22)



السوأة ليست العورة

-----------------------

فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا

فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا

----------------------------------------


عَنِ الْمِقْدَادِ قَالَ أَقْبَلْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لِى وَقَدْ ذَهَبَتْ أَسْمَاعُنَا وَأَبْصَارُنَا مِنَ الْجَهْدِ فَجَعَلْنَا نَعْرِضُ أَنْفُسَنَا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَقْبَلُنَا. فَأَتَيْنَا النَّبِىَّ فَانْطَلَقَ بِنَا إِلَى أَهْلِهِ فَإِذَا ثَلاَثَةُ أَعْنُزٍ،

فَقَالَ النَّبِىُّ «احْتَلِبُوا هَذَا اللَّبَنَ بَيْنَنَا ».

قَالَ فَكُنَّا نَحْتَلِبُ فَيَشْرَبُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنَّا نَصِيبَهُ وَنَرْفَعُ لِلنَّبِىِّ نَصِيبَهُ- فَيَجِىءُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لاَ يُوقِظُ نَائِمًا وَيُسْمِعُ الْيَقْظَانَ - ثُمَّ يَأْتِى الْمَسْجِدَ فَيُصَلِّى ثُمَّ يَأْتِى شَرَابَهُ فَيَشْرَب.

فَأَتَانِى الشَّيْطَانُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَدْ شَرِبْتُ نَصِيبِى، فَقَالَ مُحَمَّدٌ يَأْتِى الأَنْصَارَ فَيُتْحِفُونَهُ وَيُصِيبُ عِنْدَهُم، مَا بِهِ حَاجَةٌ إِلَى هَذِهِ الْجُرْعَةِ،

فَأَتَيْتُهَا فَشَرِبْتُهَا.

فَلَمَّا أَنْ وَغَلَتْ فِى بَطْنِى وَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ إِلَيْهَا سَبِيلٌ - نَدَّمَنِى الشَّيْطَانُ فَقَالَ وَيْحَكَ، مَا صَنَعْتَ، أَشَرِبْتَ شَرَابَ مُحَمَّدٍ فَيَجِىءُ فَلاَ يَجِدُهُ فَيَدْعُو عَلَيْكَ فَتَهْلِكُ فَتَذْهَبُ دُنْيَاكَ وَآخِرَتُك!

وَعَلَىَّ شَمْلَةٌ إِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى قَدَمَىَّ خَرَجَ رَأْسِى وَإِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى رَأْسِى خَرَجَ قَدَمَاىَ وَجَعَلَ لاَ يَجِيئُنِى النَّوْمُ.

وَأَمَّا صَاحِبَاىَ فَنَامَا وَلَمْ يَصْنَعَا مَا صَنَعْتُ.

فَجَاءَ النَّبِىُّ فَسَلَّمَ كَمَا كَانَ يُسَلِّمُ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى شَرَابَهُ فَكَشَفَ عَنْهُ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيْئًا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ،

فَقُلْتُ الآنَ يَدْعُو عَلَىَّ فَأَهْلِكُ.

فَقَالَ «اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِى وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِى».

قَالَ فَعَمَدْتُ إِلَى الشَّمْلَةِ فَشَدَدْتُهَا عَلَىَّ، وَأَخَذْتُ الشَّفْرَةَ فَانْطَلَقْتُ إِلَى الأَعْنُزِ أَيُّهَا أَسْمَنُ فَأَذْبَحُهَا لِرَسُولِ اللَّهِ،

فَإِذَا هِىَ حَافِلَةٌ، وَإِذَا هُنَّ حُفَّلٌ كُلُّهُنَّ.

فَعَمَدْتُ إِلَى إِنَاءٍ لآلِ مُحَمَّدٍ- مَا كَانُوا يَطْمَعُونَ أَنْ يَحْتَلِبُوا فِيهِ - فَحَلَبْتُ فِيهِ حَتَّى عَلَتْهُ رَغْوَةٌ، فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ،

فَقَالَ «أَشَرِبْتُمْ شَرَابَكُمُ اللَّيْلَةَ»؟

قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْرَبْ. فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِى، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْرَبْ. فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِى فَلَمَّا عَرَفْتُ أَنَّ النَّبِىَّ قَدْ رَوِىَ وَأَصَبْتُ دَعْوَتَهُ ضَحِكْتُ حَتَّى أُلْقِيتُ إِلَى الأَرْضِ،

فَقَالَ النَّبِىُّ


«إِحْدَى سَوْآتِكَ يَا مِقْدَادُ».


فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ مِنْ أَمْرِى كَذَا وَكَذَا وَفَعَلْتُ كَذَا.

فَقَالَ النَّبِىُّ «مَا هَذِهِ إِلاَّ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ، أَفَلاَ كُنْتَ آذَنْتَنِى فَنُوقِظَ صَاحِبَيْنَا فَيُصِيبَانِ مِنْهَا».

قَالَ فَقُلْتُ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُبَالِى إِذَا أَصَبْتَهَا وَأَصَبْتُهَا مَعَكَ مَنْ أَصَابَهَا مِنَ النَّاسِ.




وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا


« لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ فَقَالَ

لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ

فَحَمِدَ اللَّهَ بِإِذْنِهِ فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا آدَمُ

اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ الْمَلاَئِكَةِ إِلَى مَلإٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ فَقُلِ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ.

قَالُوا وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ.

ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ إِنَّ هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ بَيْنَهُمْ.

فَقَالَ اللَّهُ لَهُ وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ

قَالَ اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّى وَكِلْتَا يَدَىْ رَبِّى يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ.

ثُمَّ بَسَطَهَا فَإِذَا فِيهَا آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ فَقَالَ أَىْ رَبِّ مَا هَؤُلاَءِ؟

 فَقَالَ هَؤُلاَءِ ذُرِّيَّتُكَ فَإِذَا كُلُّ إِنْسَانٍ مَكْتُوبٌ عُمْرُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ

فَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ أَضْوَؤُهُمْ أَوْ مِنْ أَضْوَئِهِمْ.

قَالَ يَا رَبِّ مَنْ هَذَا؟

قَالَ هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ قَدْ كَتَبْتُ لَهُ عُمْرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

قَالَ يَا رَبِّ زِدْهُ فِى عُمْرِهِ. قَالَ ذَاكَ الَّذِى كَتَبْتُ لَهُ.

قَالَ أَىْ رَبِّ فَإِنِّى قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عُمْرِى سِتِّينَ سَنَةً

قَالَ أَنْتَ وَذَاكَ.

قَالَ ثُمَّ أُسْكِنَ الْجَنَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أُهْبِطَ مِنْهَا فَكَانَ آدَمُ يَعُدُّ لِنَفْسِهِ.

قَالَ فَأَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُ آدَمُ قَدْ عَجِلْتَ قَدْ كُتِبَ لِى أَلْفُ سَنَةٍ.

قَالَ بَلَى وَلَكِنَّكَ جَعَلْتَ لاِبْنِكَ دَاوُدَ سِتِّينَ سَنَةً

فَجَحَدَ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَنَسِىَ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ.

قَالَ فَمِنْ يَوْمِئِذٍ أُمِرَ بِالْكِتَابِ وَالشُّهُودِ ».



«إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَىَّ مِنَ الصَّلاَةِ

فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَىَّ».

قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ؟

أَىْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ.

قَالَ «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ

أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ».


قَالَ رَسُولُ اللَّهِ مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْراً».

قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:

قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ

نقول: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد وعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِه



كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ:

« يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ ».

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِى؟ فَقَالَ:

« مَا شِئْتَ ».

قَالَ قُلْتُ الرُّبُعَ. قَالَ

« مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ». قُلْتُ النِّصْفَ.

قَالَ « مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ». قَالَ قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ.

قَالَ « مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ». قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِى كُلَّهَا.

قَالَ « إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ ».

 

 

مقهى التاريخ والمعرفة - « القطمير » و« الفتيل » و« النقير » .. هذه الكلمات  هي أسماء لأجزاء موجودة في نواة #التمر ... فـ القطمير : هي اللفّافة التي  توجد على


ثلاثة أجزاء من التمرة ذكرت في القرآن لبيان ضآلتها:

1) الفتيل:

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا

2) النقير:

أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا

وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ

 الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا

3) القطمير

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ

 يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا

 يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ.


 

العَمَلُ قَوْلٌ وَفِعْلٌ


وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً

وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (يوسف 19)


يعملون = يقولون و يفعلون

يقولون:

قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ

يفعلون:

وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً 


 

سورة يوسف، الآية (50):


"وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا

 بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ".


لماذا أراد النبي يوسف عليه السلام أن يسأل الملك النسوة اللاتي قطعن أيديهن،

 وليس أمرأة العزيز؟


في الآية 23 امرأة العزيز راودت يوسف عن نفسه.

في الآية 25 اتهمته بأنه أراد بها سوءا، وأرادت له أن يسجن أو يعذّب.

في الآية 26 لم ينفع دفع يوسف التهمة عن نفسه وأنها هي التي راودته.

في الآية 29 العزيز يحكم ضمنا ببراءة يوسف وبتخطئة امرأته.

في الآية 31 امرأة العزيز علمت بمكر النسوة واتهامهن لها بمراودة فتاها وحبه.

في الآية 31 النسوة لم يراودن يوسف بل أكبرنه ووصفنه بأنه ملك كريم.

في الآية 32 امرأة العزيز اعترفت للنسوة بأنها هي التي راودت يوسف.

في الآية 50 يوسف لم يتهم النسوة بمراودته، ولكنه أشار فقط إلى كيدهن.

في الآية 51 الملك إتهم النسوة بالمراودة فسألهن عن مراودتهن ليوسف.

جواب النسوة في نفس الآية 51 بأنهن ما علمن على يوسف من سوء أبطل ادعاء امرأة

 العزيز في الآية 25 بأنه أراد بها سوءا، فاضطرت فورا إلى الإعتراف بمراودة يوسف.

دليل إثبات المراودة من جانب امرأة العزيز موجود عند النسوة. ولو أن يوسف طلب

 من الملك توجيه الإتهام لامرأة العزيز لدفعت عن نفسها التهمة، وأن وجود يوسف

 في السجن دليل على تجريمه، ولبقي دليل إثبات المراودة طي الكتمان في صدور

 النسوة اللاتي قطعن أيديهن.




سورة يوسف، الآية (70): "فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ

 أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ".


سورة يوسف، الآية (72): " قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ

 بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ".


السؤال: هل السِّقَايَةَ هي ذاتها صُوَاعَ الْمَلِكِ ؟

  

مفهوم الارهاب

 

يقول الكفر للمسلم:  انت مسلم، فانت اذن ارهابي حقا.

ويقول المسلم للكفر:  ليتني ارهابي، فأكون مسلما حقا.

 

كيف يدفع القران عن المسلم تهمة الارهاب جملة وتفصيلا؟

 

يتّبع معسكر الكفر فكرا يقوم على اضعاف منهجي للمسلمين الذين ارتضوا ان يكونوا مستضعفين في الارض.  فقد ابتدأوا بفرض فصل الدين عن الدوله الذي كان من نتائجه ما نراه اليوم في حوار الاديان من حضور الزعماء السياسيين في هكذا حوار وغياب العلماء والفقهاء.  وحتى هؤلاء هم من الموظفين في وزارات الاوقاف وما يعادلها في الدول المختلفه. 

 

بعد ان نجح الكفر في المرحلة الاولى في الزام المسلمين بفصل الدين عن الدوله، تحركوا في المرحلة التالية باتجاه الغاء مفهوم الجهاد من قاموس الدول الاسلامية.  فلقد رأوا ان الجهاد في سبيل الله كان السبب الرئيسي في انتشار الاسلام.  كما ادركوا بان المسلمين المعاصرين اذا انصرفوا عن الجهاد تكالبوا على الدنيا وتنافسوها فتهلكهم كما اهلكت من قبلهم.  وصوروا للمسلمين ان اي نوع من الجهاد مثل جهاد النفس والجهاد في السعي على رزق العيال هو افضل من الجهاد بحمل السلاح.

 

وفي المرحلة الثالثة اطبقوا الخناق على المسلمين بان الصقوا بهم تهمة الارهاب واعتبروا الاسلام دين ارهاب واطلقوا الحملات لمعاقبة المسلمين الذين يرفضون الاستعمار والاحتلال والاستعباد.  قالوا لهم اما ان تكونوا معنا او تكونوا ضدّنا، فنجحوا بذلك في استعداء الاخ على اخيه ففرقوا وسادوا.  واتخذوا من ستار الدعوة الى الحوار ذريعة لاملاء الشروط وجني التنازلات من الدول الاسلاميه.  ولتغطية حروبهم على المسلمين ذكّروا برايهم بان الاسلام انتشر بالسيف.  واليوم يبررون اعتداءاتهم بعبارة "حماية حرية الاعتقاد".  اليست هذه سرقة من ادبيات الاسلام وفكره يضلون بها المسلمين ويشوّهون صورة الاسلام؟

 

لأن الكثيرين من المسلمين لا يقرأون القران، واذا قرأوه فانهم لا يقرأونه قراءة المتنور فكريا والمتفتح عقلانيا، فانهم لا يدركون المعاني التي ارادها الله في القرآن، وعجزوا عن رد التهمة عنهم بابراز الحجة الواردة في القران الذي هو دستورهم.

 

لنستعرض الاية التي ورد فيها معنى الارهاب في الاطار العام للكلمة وهي الاية التالية رقم 60 من سورة الانفال:

 

وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ

 

اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا

 

تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ

 

في هذه الاية يتضح معنى "الارهاب"، فكلمة "ترهبون" تعني "تخيفون".  ويقف معنى هذه الكلمة عند مفهوم الوقاية لا العلاج، او الدفاع لا الهجوم، اي انها باب من ابواب الدفاع وليس فيها معنى الهجوم واحداث التاثير المادي الملموس عند الغير، فيكون الاعداد في ديار المسلمين، ولا يتعدى نطاق العمليات الى المعسكر الاخر الا بمقدار تاثر العدو به معنويا فقط.

 

ويتضح هذا المعنى اكثر عندما نلحظ في الاية نفسها عبارة "واخرين من دونهم لا تعلمونهم".  فلو كان الارهاب من فعل المسلم نفسه لكان لزاما عليه ان يعرف من يرهب ويصل اليه وصولا ماديا او معنويا.  فالمعنى الي تركّز عليه الاية هنا هو الاعداد في ديار المسلمين وترك الباقي على الله، وذلك لناحية تخويف العدو فلا يجرؤ على الاعتداء على المسلمين.  وعليه يكون المعنى العام للاية باختصار:  اعدّوا قوة لتخيفوا عدوّا.

 

ومن الملاحظ ان معنى عبارة "ما استطعتم" في الاية تساهم في توضيح المعنى المراد هنا.  فمن ناحية قد يفهم ان ما استطتم تعني الذي تقدرون عليه من دون التكلف والمعاناة.  ومن الناحية الاخرى قد يفهم ان ما استطعم تعني الكمّ الاكبر الذي تصلون به حدا لا تقدرون على الاتيان بافضل منه.  الفهم الاول يعني ان المسلمين يعدون ولو القليل الذي لا يصل الى حد المقارنة بما عند العدو.  مثال ذلك ان تمتلك اسرائيل 200 راس نووي، في حين يعد المسلمون مقابل ذلك 200 دبابة.  فيكون بذلك المقصود من كلمة الارهاب هو ما يتعلق به من الاعداد في ديار المسلمين، ولا يتعداه فعليا الى التاثير المادي في معسكر الاعداء، للاخافة فقط.

 

ولكي يتاكد لنا ان المعنى المقصود في الاية السابقة هو الاعداد للتخويف فقط، نستعرض الاية التالية:

 

 

اسْلكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سوءٍ وَاضْممْ إِلَيْكَ 

 

جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ برْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ

  

إِنَّهمْ كَانوا قَوْماً فَاسِقِينَ

 

 

يقول المفسرون في معنى هذه الآية ان كلمة "الرهب" تعني الخوف.  فالخطاب للنبي موسى لا يتعدى ان يكون توجيها له بضم يده اليه، اي الى صدره او ادخالها مرة ثانية في جيبه ليعود له الاطمئنان.  وهذا ليس فيه اي فعل عدائي او هجومي على الغير.  وهذا يقع في مجمل المعنى الذي توصلنا اليه في استعراض معاني الاية السابقه.  ولو استعرضنا المعنى في الايات الاخرى التي فيها كلمات مشتقة من الجذر "رهب" مثل كلمة "رَهْبَةً" و "فَارْهَبُونِ" و"َاسْتَرْهَبُوهُم" و "الرُّهْبَان"ِ و "رَهَبًا" و "رَهْبَانِيَّةً"  وَ "رُهْبَانًا"، لوجدنا انها تعطي نفس المعنى وتخدم نفس الغرض.  ويجب ان نذكر ان كلمة "ارهاب" لم ترد في القران ولو مرة واحدة.

 

لننتقل الان الى الكلمة الاخرى التي تفيد معنى التعدي على الغير والهجوم عليهم وانزال تاثير مادي ملموس في ساحتهم.  سوف نرى ان كلمة "الرعب" وردت في القران 4 مرات.  وسوف نلاحظ ان المعنى الدارج في وقتنا هذا لللارهاب ينطبق بشكل افضل على كلمة "ارعاب" المشتركة مع كلمة الرعب في الجذر الذي اشتقت منه وهو "رعب".  لنقرا الايات الاربع:

(1)

 

إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي

 

قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا

 

مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ

 

(2)

 

سَنلْقِي فِي قلوبِ الَّذِينَ كَفَرواْ الرّعْبَ بِمَا أَشْرَكواْ بِاللّهِ مَا لَمْ ينَزِّلْ

 

 بِهِ سلْطَاناً وَمَأْوَاهم النَّار وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ

 

(3)

 

وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَروهم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي

 

قلوبِهِم الرّعْبَ فَرِيقاً تَقْتلونَ وَتَأْسِرونَ فَرِيقاً

 

(4)

 

هوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَروا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ

 

الْحَشْرِ مَا ظَنَنتمْ أَن يَخْرجوا وَظَنّوا أَنَّهم مَّانِعَتهمْ حصونهم مِّنَ اللَّهِ

 

فَأَتَاهم اللَّه مِنْ حَيْث لَمْ يَحْتَسِبوا وَقَذَفَ فِي قلوبِهِم الرّعْبَ يخْرِبونَ

 

بيوتَهم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمؤْمِنِينَ فَاعْتَبِروا يَا أولِي الأَبْصَارِ

 

اما في هذه الايات الاربع فيتضح معنى "الارعاب" وانها تختلف عن الارهاب.  فكلمة "الرعب" تعني "الفزع" او "الهلع" وهو ليس مخفف التاثير كالرهبة والخوف تحت كلمة "ترهبون" التي استعرضناها آنفا.  يتعدى معنى هذه الكلمة "ارعاب" الى مفهوم العلاج ولا يقف عند الوقايه، او الى الهجوم لا الدفاع فقط.  اي انها باب من ابواب الهجوم ولا تقتصر على الدفاع، فيكون القاء الرعب في قلوب الذين كفروا، ويتعدى بذلك مفعول هذا العمل الالهي (وليس البشري) الى المعسكر الاخر واقعا ملموسا.  هنا المعنى باختصار:  الله يفزعهم لينصركم عليهم (ولا دور لكم هنا بعد ان اعددتم فاخفتم).

 

نلاحظ هنا ان الاعداد والارهاب (الاخافه او التخويف) كعمل ونتيجة مرتبطان باطار مكاني هو ديار المسلمين، واطار زماني هو زمن السلم، وان الذي يمارسه هو المسلم.  في حين ان الارعاب (الافزاع وايقاع الهلع) عمل ونتيجة في كتلة اجرائية واحدة مندمجة، وان الارعاب له اطار مكاني هو ساحة الكفر، وله اطار زمني هو زمن الحرب او زمن انزال العقاب، وان الذي يمارسه هو الله.  وان التصرف من جانب البشر يقتضي مقدمة ونتيجة، في حين ان التصرف من جانب الله لا يقتضي المقدمة ويصل الى النتيجة مباشرة.  ذلك لأن المسلم لا بد له من ان يعالج الامور كما هي سنّة البشر، في حين ان الله لا يعالج بل يقول للشيء كن فيكون.

 

 ولكي نتثبت من هذا المعنى نسأل السؤال التالي:  هل يتحرك ساكن او يسكن متحرك الاّ باذن الله؟  وعليه ألم يقل الله للمؤمنين ولرسوله:

 

فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم

وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى

 

كما جاء في الاية 17 من سورة الانفال؟

 

وبالانتقال الى الكلمات المقابلة باللغة الانجليزيه يبدو وكان خطأ في الترجمة قد حدث.  فالتهمة التي الصقت بالمسلمين هي تهمة “terrorism” وترجمت خطأ بالكلمة العربية "ارهاب".  وكان من المفروض ان تترجم الى كلمة "ارعاب"  لما توصلنا اليه من معاني الايات السابقة ان الارهاب (الاخافة) من فعل المسلمين البشر في ديارهم، وان الارعاب هو من فعل الهي ينزله الله في ساحة الكفر.  وعليه فان المسلم لا يد له فيما ينزل بالكفر من رهبة ورعب وهزيمة او عقاب.

 

فالفعل الذي يعني "يرهب" او "يخيف" هوfrighten  والفعل الذي يعني "يرعب" او "يفزع" هو terrorize.  ولذلك يكون معنى التهمة التي يلصقونها بالمسلمين وهي terrorism اي الارعاب تهمة غير صحيحة، ويكون الذي يقوم به المسلمون من اعمال الاعداد والارهاب (التخويف) في ديارهم شرعية تهدف فقط الى اخافة الكفر، كما انها بتوجيه من القران لهم وبفعل مباشر من الله في اعدائهم الكفار.  وان ما يقع بالكفار من ارعاب هو فعل الله بهم الناتج عن اعمال الاعداد التي يقوم بها المسلمون، ولكنه عقاب الهي مبشر دنيوي للكفار على كفرهم.

 

لا وجود لكلمة "ترويع" في المعجم ويبدو انها كلمة استعملها البعض ثم شاع استعمالها في التعبير عن معنى محدد هو "ترويع الامنين".  ولوجاز لنا ان نشتق كلمة من الجذر "روع" على وزن ارهاب وارعاب لقلنا "ارواع".  غير ان هذا المعنى مختلف عن المعنيين في ارهاب وارعاب لانه يتبين لنا انه يقع على ضحية بريئة ليس لها جرم اقترفته، ولا دخل لها في اي نوع من انواع الاعمال الحربية.

 

وليس المترجم فقط هو الذي اخطا، بل تابعه البعض ممن تناولوا موضوع تعريف الارهاب بالمعنى المترجم الخاطئ.  وان رجوعهم الى معاجم اللغة الانجليزية اوقعهم في خطا عدم فهم ما ورد في القران.  وكان الاولى بهم ان يرجعوا الى القران بنية الفهم الصحيح ليجدوا فيه فصل الخطاب.

 

 

مفهوم الحوار والاديان

 

 

الاعتقاد بان هناك اديان (اكثر من دين)  يجري التحاور فيما بينها فيما اصطلح عليه بحوار الاديان هو فهم خاطئ اساسا فلا يوجد الا دين واحد فقط هو دين الله.  وان ما يجب ان يحدث هو الدعوة الى دين الله الاسلام كما فعل الانبياء جميعا.  قال تعالى:

 

ان الدين عند الله الاسلام

 

فالانسان على هذه الارض اما ان يكون مسلما على دين الله، واما ان يكفر بالله ودينه فيكون كافرا.  وعلى هذا الاساس فان اليهودية التي اتبعت النبي موسى والتوراة التي انزلت عليه كان من المفروض انها قد انتهت ببعثة رسول الله عيسى ابن مريم. والنصرانية التي اتبعت النبي عيسى والانجيل الذي انزل عليه كان من المفروض انها انتهت ببعثة الرسول محمد بن عبدالله.

 

هؤلاء هم اهل الكتاب منهم من غضب الله عليه ولعنه ومنهم من ضل عن سواء السبيل صراط الله المستقيم. ولقد قرر القران بوضوح كفر من قال ان الله ثالث ثلاثة، وكذلك من قال ان الله هو المسيح ابن مريم.  وبهذا فان الكفر  قد اصبح ملة واحدة تقف فى وجه الدعوة الى دين الله القويم وصراطه المستقيم. فعلى المسلمين التعامل مع هؤلاء الكفار على اساس انهم يبتغون دينا غير دين الله.  قال تعالى:

 

  ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه

 

فلماذا نقبل نحن ما لا يقبله الله؟  ولماذا وعلى ماذا نحاورهم ويحاوروننا؟

 

لقد اختصر الله لنا الطريق المؤدي الى الحوار بحكمة الهية سامية، ووضع لنا جدول اعمال لأي لقاء او حوار وحدد الاساس الذي تقوم عليه دعوة المسلم للغير للحوار.  وهل هناك من هو اعلم بخفايا النفوس وطبائعها من الذي خلقها فسوّاها فعدلها؟  قال تعالى:

 

قل يا اهل الكتاب تعالوا

 

 الى كلمة سواء بيننا وبينكم الاّ نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا

 

 

وهل نملك نحن في هذا الزمان من مؤهلات الحوار الروحي  والايمان ما لم يقدمه لنا الله ولم يطبقه الرسول في تعامله مع المعنيين؟  قال تعالى:

 

فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا

 

وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة

 

الله على الكاذبين

 

 

هذه هي آية المباهلة في القران التي افحم  بها الرسول اهل الكتاب فلم يملكوا من الشجاعة ما يؤهلهم للمخاطرة بقبول هذا الحوار، وقد علموا يقينا ان اللعنة ستقع على رؤوسهم.  ألا يوفر هذا  الطرح الموضوعي علينا المال والجهد والوقت، ويضمن لنا ان نربح جولة معاصرة ضدهم؟  الحكمة تقتضي أن لا نعيد اختراع العجله فندخل في متاهات السفسطة الفكرية ولا نصل الى نتيجه.  وعلى الذين لا يعجبهم هذا الطرح الالهي ان يجيبوا على السؤال:  أأنتم أعلم أم الله؟

 

لماذا يتباكون على الحوار مع المسلمين؟  من المؤكد انهم لا يريدون الدخول في الاسلام، فهذا موقف محسوم لديهم.  انهم يستهدفون الاسلام والمسلمين لاغوائهم ولجعلهم تابعين لهم.  قال تعالى في الايتين التاليتين:

 

 

"وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهود وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهمْ قلْ إِنَّ هدَى

 

 

اللّهِ هوَ الْهدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهم بَعْدَ الَّذِي جَاءك َمِنَ الْعِلْمِ مَا

 

 

لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ"

 

  

 

"وَدّواْ لَوْ تَكْفرونَ كَمَا كَفَرواْ فَتَكونونَ سَوَاء

 

 

فَلاَ تَتَّخِذواْ مِنْهمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يهَاجِرواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ

 

 

فَخذوهمْ وَاقْتلوهمْ حَيْث وَجَدتَّموهمْ وَلاَ تَتَّخِذواْ مِنْهمْ

 

 

 وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً

 

 

يتّبع معسكر الكفر فكرا يقوم على اضعاف منهجي للمسلمين الذين ارتضوا ان يكونوا مستضعفين في الارض.  فقد ابتدأوا بفرض فصل الدين عن الدوله الذي كان من نتائجه ما نراه اليوم في حوار الاديان من حضور الزعماء السياسيين في هكذا حوار وغياب العلماء والفقهاء.  وعندما يجتمع هؤلاء للحوار يتطوع الكثيرين من المسلمين بكيل الشتائم لهم والتجريح بسمعتهم بل وبتخوينهم.  لذلك فان على المسلمين ان يلتزموا بخلق وتوصية رسولهم فلا يسبوا الحكام.  وان من اعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر (اكرر عند، اي في مجلس السلطان).  والتشهير ليس من باب النصح للحكام.

 

الذين يدخلون مختارين الى مواقع الرأي للمشاركة باسماء مستعارة يبدون خير ما عندهم ويخافون ويخفون شر ما عندهم ويسترون نقاط ضعفهم وان كان ذلك تصرفا لا شعوريا.  والحكام يذهبون الى الحوار وهم يبدون شر ما عندهم ويخفون خير ما عندهم ملتمسين العذر لذلك الحضور القسري الذي تفرضه اعتبارات معقده.  فاي الفريقين افضل عند الله؟  الله يحكم بينهما يوم القيامه.

 

يجب ان لا ننسى انه مثلما تكونوا يولّ عليكم.  فكما اننا نلقي باللوم صراحة على الحكام بانهم فاسدون، فانهم يلقون علينا اللوم امّا في مجالسهم او على الاقل مع انفسهم لاننا خذلناهم.  فلو ان الوهن (حب الدنيا وكراهية الموت) لم يعمر قلوبنا لانطلقنا الى اصلاح انفسنا وتغييرها ليغير الله ما بنا ويهيئ لنا الحكام الصالحين وينصرنا، فقد كان حقا على الله نصر المؤمنين، وليس نصر المسلمين.  فان فعلتم ايها المسلمون استخلفكم الله، وان لم تفعلوا استبدلكم بغيركم ثم لا يكونوا امثالكم.

 

بعد ان نجح الكفر في المرحلة الاولى بالزام المسلمين بفصل الدين عن الدوله، تحركوا في المرحلة التالية باتجاه الغاء مفهوم الجهاد من قاموس الدول الاسلامية.  فلقد رأوا ان الجهاد في سبيل الله كان السبب الرئيسي في انتشار الاسلام.  كما ادركوا بان المسلمين المعاصرين اذا انصرفوا عن الجهاد تكالبوا على الدنيا و تنافسوها.  وصوروا للمسلمين ان اي نوع من الجهاد مثل جهاد النفس هو افضل من الجهاد بحمل السلاح.

 

وفي المرحلة الثالثة اطبقوا الخناق على المسلمين بان الصقوا بهم تهمة الارهاب واعتبروا الاسلام دين ارهاب واطلقوا الحملات لمعاقبة المسلمين.  قالوا لهم اما ان تكونوا معنا او تكونوا ضدّنا، فنجحوا بذلك في استعداء الاخ على اخيه ففرقوا وسادوا.  واتخذوا من ستار الدعوة الى الحوار ذريعة لاملاء الشروط وجني التنازلات من الدول الاسلاميه.

 

ليس من المقبول ان يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين.  فكيف بالمسلمين اليوم وقد لدغوا من نفس الجحور مرارا وتكرارا؟  اولم يحذرنا الله من الكفار عامة ومن الذين خانوا الله ورسوله ونقضوا العهود والمواثيق خاصّة ؟  اوليس من واجب المسلمين ان يحذروا العدو عدو الله وعدوهم الذي يحاورهم في المؤتمرات او يحاربهم في الميادين كل عقد من الزمان لقطع الوقت، ويظل هو في موقع المحتل لارضنا ومقدساتنا والمعتدي علينا والمهيمن على مقدراتنا وثرواتنا، منفذا بذلك مخططات اقرها ولا يتخلى عنها؟

 

 

مفهوم النصر

 

النصر في اللغة هو الظهور والغلبة والفوز على العدو، وهذا المعنى هو المقصود هنا في هذه الورقة.  وقد وردت كلمة النصر في القرآن بهذا المعنى في موضعين فقط، الاول في سورة ال عمران:  "وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ".  والموضع الآخر في سورة الاحزاب:  "وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".  وهناك معنى آخر لكلمة النصر وردت به في موضع واحد في القرآن وهو اعانة المظلوم، قال تعالى: "وان استنصروكم فعليكم النصر".

 

في القران آيات لم يرد فيها الفاظ مشتقة من كلمة النصر ولكنها تدل عليه من ناحية المعنى كما في الآية:  "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"، اي ان الله لن يهيئ للكافرين طريقا للانتصار على المؤمنين بالله ايمانا حقيقيا.  وكذلك الآية:  "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله"، اي انتصرت عليها.  والآية:  "كذلك حقا علينا ننج المؤمنين"، فتكون النجاة من الله شكلا من اشكال نصر المؤمنين على الاعداء بافشال مؤامراتهم عليهم.

 

وقد يكون تحقيق النصر عن طريق الهزيمة يوقعها اللة عقابا على الكافرين كما جاء في الآيتين:  "وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً".  يظهر لنا هنا بشكل جلي ان الفعل كله لله سواء لجهة منح النصر للمؤمنين او لجهة ايقاع الهزيمة بالكافرين.  وهذه آية واحدة تدل على المعنيين معا:  "إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ".  

 

يظن الكافر الذي لا يؤمن بالله ان النصر يتناسب سلبا وايجابا مع العدد والعدة ومظاهر القوة المختلفة ومنها التقدم العلمي المادي.  ولا يختلف في ذلك عنه كثيرا بعض المسلمين ممن لديهم نفس نمط التفكير المادي والغفلة عن الله.  لقد ترك المسلمون ركن الجهاد اعتقادا منهم ان لا قدرة لهم على مواجهة الاعداء بسبب تخلفهم الحضاري والعلمي وتقدم الاعداء.  والقران يوضح بشكل لا لبس فيه ان هذا الاعتقاد خاطئ، وخصوصا الاعتقاد بان الغلبة هي للكثرة:  "ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئا".  فالنصر من عند الله.

 

وعلى العكس من الكثرة التي لاتستدعي النصر بالضرورة، فان القلة عددا وعدة نالت النصر من الله في الكثير من المواقف.  فحينما فصل طالوت بالجنود وطلب منهم ان لا يشربوا من النهر لم يمتثل لأمره الاّ العدد القليل.  وعندما جاوزوا النهر والتقوا مع الأعداء ثبت للقتال عدد قليل من القليل الاول، ويقال انهم كانوا 313 رجلا فقط:  "قال الذين يظنون انهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله والله مع الصابرين".  ومعنى الاستفهام هنا كثرة التكرار، اي ان الغلبة لفئة قليلة على فئة كثيرة تكرر كثيرا باذن الله، وذلك لأن شرط الصبر قد تحقق فيهم.  والعدد 313 (ومجموع ارقامه 7) هو عدد من شهدوا غزوة بدر من المسلمين مقابل 1000 من المشركين المدججين بالسلاح والمستندين الى وفرة العتاد.  والعدد 313 هذا هو العدد من المؤمنين الصادقين الصابرين اللازم للانتصار في اية معركة من معارك الايمان والحق.

 

قد يجد البعض صعوبة في استيعاب مفهوم النصر مع القلة، لكن الله قد اضاف الى عامل القلّة عامل الذلّة فقال:  " وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ".  فلم يكن المسلمون في معركة الفرقان (وهذا الاسم اطلقه اهل غزة على معركتهم الحالية) قليلو العدد والعدة فقط، بل ان المشركين نظروا اليهم نظرة استذلال واحتقار، وخرج المشركون بطرا ورئاء الناس باغواء من الشيطان وباستدراج من الله "ليقضي الله امرا كان مفعولا".  كما ان المسلمين، وهذا هو الأهم، اذلّوا انفسهم تواضعا لله فرفعهم الله ونصرهم.

 

ومن اسباب النصر يهبه الله لمن يشاء ان يتعرض قوم للأعتداء والظلم من قبل معتدين ظالمين، فيهبوا للدفاع عن انفسهم فيقاتلوا الظالم وينصرهم الله عليهم، كما في الآية:  "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ".  كما ان من اسباب النصر من الله الانتصار للحق عموما او التصدّي للعدوان والتعرض بعد ذلك للبغي من الباغين:  "ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنّه الله ان الله لعفوّ غفور".

 

فاذا كان النصر في واقع الامر لا يعتمد على العدد والعدة، فهو اذا من عند الله الناصر:  "وما النصر الاّ من عند الله".  ويتضح هذا الامر بجلاء اذا فهمنا ان تحقيق النصر في القتال لا يكون بفعل البشر وانما بقدرة الله على انزال الرعب في قلوب الذين يحاربون دين الله ويشاقّون الله ورسوله، كما في الآية:  " سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ".  واية اخرى اكثر تفصيلا:  "إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ".  وكما ان النصر من عند الله، فان الهزيمة ايضا من عنده وباذنه ومشيئته:  " وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ".

 

وقد بيّن الله في هذا السياق بوضوح تام ان البشر لا يفعلون وانما هو فعل الله ومشيئته ولِيُعَرِّف الْمُؤْمِنِينَ نِعْمَته عَلَيْهِمْ مِنْ إِظْهَارهمْ عَلَى عَدُوّهُمْ مَعَ كَثْرَة عَدُوّهُمْ وَقِلَّة عَدَدهمْ، لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ حَقَّهُ وَيَشْكُرُوا بِذَلِكَ نِعْمَته، فقال:  " فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ".  وقد بين الله لرسوله ان قرار القتال ومجريات الاحداث ونتيجة المعركة انما هو من اختصاص الله وهو غالب على امره، فقال:  " لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ".  وكذلك:  "كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ".

 

كما ان من اسباب النصر المهمة الدالّة على ان النصر من عند الله المدد الالهي:  " إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ * بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ".  والاستغاثة بالله هي اقصر الطرق للوصول الى المدد الالهي، كما في الآية:  "إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".

 

وقول الله انه لم يجعل المدد الاّ بشرى هو تاكيد بان الله هو الفاعل المتصرف وانه لا يحتاج الى السبب او الواسطة، وانما امره كما يقال بين الكاف والنون،او بالاحرى هي امور يبديها (يظهرها فهي موجودة) ولا يبتديها (لا يجعل ابتداءها عند وقوعها، فبدايتها كانت قبل الخلق).  فكل امر من امور الخليقة قد جرى القلم عليه بالقضاء والقدر كما اراد الله وهو واقع لا محالة.

 

اوضح القرآن بان الايمان هو ابرز الشروط للحصول على نصر الله:  "وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ"، وكذلك هذه الآية التي فيها الايمان شرط للنصر: "وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ".  وكذلك الآية:  "إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا".  وكذلك الآية:  "وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً".

 

ان النصر مع الصبر.  وان الله مع الصابرين اذا صبروا.  فمن كان الله معه لا يضيره من فقد ولا يسوؤه كثرة الاعداء ولا تثبط عزيمته قلة العدد والعتاد لديه.  ومن كان الله عليه لا ينفعه من وجد من دون الله وان كثرت عدته وكثر عتاده.  المؤمن الصابر المصابر المرابط الذي يحظى بمعية الله واثق من نصر الله الذي قال:  "إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ".  وليست معية الله وحدها مع الصابرين، بل حبّه ايضا كما قال:  " وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ".

 

يقوم الصبر على اساس الثبات وعدم التولي او الفرار عند الزحف:  "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ".  وكذلك:  "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ".  فاذا ثبت العدو وصبر لقتال المؤمنين، فما عليهم الاّ الثبات والمصابرة، اي ان يصبروا صبرا يتفوّق على صبر العدو، لينالوا  بذلك النصر من الله كما امرهم:  "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".

 

المؤمن الذي يصبر ويصابر ويرابط لا يستمع الى الاشاعات المثبطة ولا يرهبه تجمع الاعداء عليه ولا كثرتهم:  "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".  ونتيجة هذا الصبر والثبات ماثلة في الاية التي تليها:  "فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ".  ودحر الاعداء عن وطن المؤمنين هو معادل للنصر في القتال، فهو افشال لكيد العدو في ايقاع السوء بالمؤمنين بردهم عن دينهم، وهو صون للانسان وللوطن.

 

يضع الكفار اهدافا عديدة لحربهم على المؤمنين منها القتل والتدمير والتشريد والاستيلاء على الممتلكات وغيرها من الامور التي لايتمنّون ان تقع عليهم انفسهم.  لكن المؤمن كل امره له خير، ان اصابته سرّاء شكر، وان اصابته ضرّاء صبر.  وفي حالة الحرب مع الاعداء يكون للمؤمن احد القدرين:  "قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ" النصر او الشهادة.  وفي حين ان النصر متحقق بالايمان، فان الشهادة متحققة بالقتل في سبيل الله.  الآية تقول القتل وليس القتال، وعليه فان المؤمن يحتسب شهيدا كل من قتل في سبيل الله في اي ظرف:  "وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ".  والآية التي تلي هذه الآية في السياق من سورة آل عمران تذكر بأن:  "كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ"، فالأجدر بالمؤمنين ان يتحرّوا الموت شهداء في سبيل الله.

 

الله هو الناصر وهو قد شاء ان يبتلي بعض عباده بالطلب منهم ان ينصروا بعضا آخر من عباده، مع انه القادر على النصر، والنصر اصلا من عنده:  " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ”.  ومشيئة الله من الابتلاء هي اقامة الحجة على العباد.  فاذا استجابوا لأمره ونصروا الذين احتاجوا الى نصرتهم في نطاق الدين نالوا ثواب الله.  واذا لم يستجيبوا لأمر الله بالنصرة، فان للمستنصرين البشرى، تقول لهم الآية:  " بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ".

 

"اللهم انصر الاسلام والمسلمين" دعاء نسمعه مرارا وتكرارا من كل الداعين في زمن الحرب مع الاعداء من غير المسلمين.  ولو فكرنا في كلمات هذا الدعاء قليلا لآثرنا اعادة صياغتة او استبداله بدعاء آخر.  فالاسلام هو الدين عند الله، وهو كلمة الله العليا في كل زمان ومكان.  فهل هناك من يهزم دين الله الاسلام فندعو للدين ان ينتصر؟ الحقيقة هي ان المؤمن هوالذي ينصر الدين فينصره الله، كما وعد في الآية:  " ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز".  وكما قرر في الآية:  "وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا".  ان المسلمين حين نصرهم الله على المشركين، عندها جعل الله كلمة الذين كفروا السفلى.  لكن كلمة الله هي العليا دائما بغض النظر عن الواقع والحال.  وهنا يكون قاريء القرآن اولى بالوقوف عند كلمة السفلى، ليقرر باكمال تلاوته الحقيقة القرآنية بان كلمة الله هي العليا ليس فقط عندما يهزم الكفار بل دائما. 

 

واما الدعاء بنصر الله للمسلمين فانه غير متحقق في ضوء المعنى الوارد في الآيات القرآنية والذي يشترط الايمان للنصر.  وهذا لو فهمناه لأدركنا ان الله يريد منّا ان نرتقي الى درجة الايمان وان لا نكتفي ان نكون مسلمين فقط:  "قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ".  فالبون شاسع بين واقع الاسلام وواقع الايمان.  وبهذا يكون الدعاء بارتقاء المسلمين الى مؤمنين دعاء بنصرهم ايضا.  كما ان الدعاء للتجمّل بالصبر والثبات في مواجهة الاعداء وسيلة لتوفر شرط من شروط النصر للصابرين يكون اقوى من توفر النصر للمسلمين:  "وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ".  فليكن دعاؤنا من القرآن:  " وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ".  او ليكن دعاؤنا هو دعاء النبي في غزوة بدر:  "اللهمّ نصرك الذي وعدت".

 

ربما يسال البعض متعجبا:  لماذا يدمر الاعداء الوجود الايماني ويقتلون المؤمنين وأهليهم كبارا وصغارا؟  الجواب في الآية:  " مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ".  اي ان الله ما كان ليترك المجتمع المؤمن يتخفى فيه المنافق وغير المؤمن، بل لا بد ان يرسل عليهم محنة يتميز من خلالها المؤمن الطيب على غيره الخبيث بالايمان والصبر والثبات والطاعة لله ولرسوله.  الامتحان هو الوسيلة للوصول الى هذا الكشف والتمييز، لأن الله لا يمكن ان يتصل بكم ويطلعكم على الغيب.  والفائدة الأعظم من هذه المحنة ان الله يريد للمؤمنين فقط ان يفرحوا بنصره، وان لا يدّعيه احد غيرهم معهم.  وهكذا يثبت بالدليل القاطع ان النصر مع الفئة المؤمنة قليلة العدد والعدّة التي يتواجد بينها ويحيط بها الكثيرون من المدّعين. 

 

الاعداد لتحقيق النصر من جانب المؤمنين يتطلب منهم ان يقدموا الأموال انفاقا في سبيل الله.  "وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ".   ولكن الله المطلع على احوال المؤمنين يتلطف في طلب الانفاق المادي في فترة الحرب، فلم يأمر بالانفاق المباشر بسبب ضيق الحال عند الأكثرية، فيكتفي بالتحذير من البخل لأن الخطاب في هذه الحالة يكون لميسوري الحال يحذرهم من عدم الانفاق في سبيل الله مع الاستطاعة:  "وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ".  كما ان الآية لا ينقصها التذكير بان الله المالك لكل شيء غني عن الذي عند الناس، فهو الذي وهبهم ايّاه في الأصل.  وان الله خبير بالمقاصد التي ترمون اليها بأعمالكم.

 

المشركون اخرجهم الشيطان الى القتال في بدر بطرا ورئاء الناس وطمأنهم بأنه لا غالب لهم، وبذلك يكون قد اغواهم واستدرجهم الى الهزيمة.  والله العليم باحوال المؤمنين الرؤوف بهم استدرجهم الى نصر من عنده فتحركوا بأريحية تامة مبادرين الى الخروج من المدينة ليغنموا عير قريش.  لكن مشيئة الله قضت بان يتحول خروجهم السلمي الى الدخول في الحرب، وهو خيار لم يكونوا ليختاروه في ظل الظروف التي كانوا فيها:  "وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ".  وهنا لا بد ان نلحظ ان النصر من عند الله لايستوجب الاعداد والأخذ بالأسباب.  فاية اسباب تلك واي اعداد ذلك الذي توفر للمؤمنين في بدر وقد خرجوا يريدون القافلة متسلحين بالعصي وستة سيوف وثلاثة أحصنة؟

 

اذا كان النصر من عند الله فلا تسأل عن الوسائط والوسائل التي ينفذ الله مشيئته بالنصر من خلالها، فانه "وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ". "وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ".  الله ينصر بكلمة "كن"، وينصر بالملائكة، وينصر بالريح والصواعق والمطر ماءا وحجارة:  "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً".  وفي آية أخرى:  "وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً".  وفي آية أخرى:  "وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ".  وفي آية أخرى:  "إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ".

 

ولا تسأل عن توقيت النصر من عند الله، فالله يهب النصر بمشيئته في وقت يكون فيه الجميع من حول المؤمنين قد برهنوا بالدليل القاطع انهم قد تخلوا عنهم وخذلوهم تماما، بل انهم يكونون قد اثبتوا من دون مواربة انهم قد وقفوا الى جانب اعدائهم.  نصر الله للمؤمنين في ذلك الوقت بالذات يشاء الله منه حرمان المنافقين والمتخاذلين من الفرحة بنصر الله ومن الثواب عليه.

 

لو وضعنا النصر في سلسلة من الكلمات لكان من جهة المؤمنين ايمان واعداد بالقدر المستطاع وجهاد وثبات وذكر لله وصبر ومصابرة وعبادة ودعاء واستغاثة وتوكّل على الله، ولكان من جهة الله مشيئة والقاء رعب في قلوب الأعداء وهزيمة لهم.  وبما ان الله غيب فان ما يصفه لنا من حلول لمشاكلنا وعلاج لأمراضنا ونصر على اعدائنا لا يعتمد باي شكل على الماديّات، وانما يكون من خلال ابواب غيبية مفاتيحها التوكل او الاستغفار او الذكر او التقوى او الصدقة او الطهارة.  وهو الصبر والمصابرة عندما يتعلّق الأمر بالنصر على الأعداء.  واما المال والسلاح والعتاد والدواء والآلات ووسائل النقل والاتصال وغيرها من الوسائل والمخزونات المادية فهي للبشر يجعلون يقينهم عليها.

 

التقدم العلمي عند المعسكر المعادي للمؤمنين او ما يسمى "التكنولوجيا" يقابله في معسكر الايمان وصفة من الخالق اسمها الصبر.  القرآن يوضح ذلك: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ".  لم يطلب القران من المؤمنين ان يمتلكوا عشرين فرقة عسكرية ولا عشرين قنبلة نووية، بل طلب ان يتصف المؤمن بالصبر وان قلّ عددهم وكثر عدد الاعداء وكثرت عدتهم، فهنا المؤمن الواحد مقابل عشرة.  وفي الآية التالية:  "الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ"، هنا اصبحت النسبة مؤمن واحد مقابل اثنين، مع ملاحظة ان شرط الصبر غير وارد في هذه الآيه، وقد ورد فيها بدلا من الصبر "الاذن" والمشيئة من الله.  فالنصر رهن الصبر او مشيئة الله، وتبقى معية الله مع الصابرين.     

 

عندما ننتهي من قرأءة او سماع هذا الكلام ننقسم الى عدة اقسام كل منا حسب درجة يقينه على الله:  منا من يكون مع:  "وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً".  هؤلاء يقولون وكأن القرآن يتنزل علينا الآن لما يرى من تطابق الحال.  ومنّا من يكون مع:  "وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاّ غُرُوراً".

 

======

  

"وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ".  هذه الآية جاءت بعد آية الاعداد مباشرة لتبين ان الجنوح الى السلم لا يكون الاّ بعد الاعداد، لا ان نبادر الى السلم من باب الاستسلام.

 

===

 

"قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا ۚ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ".

 

"إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ".

 

"إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاءِ دِينُهُمْ ۗ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".

 

"وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ".


أَنصَارًا (1) أَنصَارٍ (3) أَنصَارَ (1) أَنصَارُ (2) أَنصَارِي (2) اسْتَنصَرَهُ (1) اسْتَنصَرُوكُم (1) النَّاصِرِينَ (1) النَّصَارَى (4) النَّصِيرُ (2) النَّصْرُ (3) الْمَنصُورُونَ (1) الْمُنتَصِرِينَ (1) انتَصَرَ (1) انصَرَفُوا (1) انصُرْنِي (3) بِنَصْرِ (1) بِنَصْرِهِ (3) تَنتَصِرَانِ (1) تَنصُرُوا (1) تَنصُرُوهُ (1) تَنَاصَرُونَ (1) تُنصَرُونَ (3) فَانتَصِر (1) فَانصُرْنَا (1) لاَنتَصَرَ (1) لَنَنصُرَنَّكُم (1) لَنَنصُرُ (1) لَيَنصُرَنَّهُ (1) مَنصُورًا (1) مُنتَصِرًا (1) مُنتَصِرٌ (1) مُنتَصِرِينَ (1) نَاصِرًا (1) نَاصِرٍ (1) نَاصِرَ (1) نَاصِرِينَ (7) نَصَارَى (5) نَصَرَكُم (1) نَصَرَكُمُ (2) نَصَرَهُ (1) نَصَرَهُمُ (1) نَصَرُوهُم (1) نَصِيرًا (12) نَصِيرٍ (9) نَصْرًا (3) نَصْرٌ (2) نَصْرَ (2) نَصْرَانِيًّا (1) نَصْرَهُم (1) نَصْرُ (3) نَصْرُنَا (2) نَصْرِهِم (1) وَالأَنصَارِ (2) وَالنَّصَارَى (5) وَانتَصَرُوا (1) وَانصُرُوا (1) وَانصُرْنَا (2) وَلَتَنصُرُنَّهُ (1) وَلَيَنصُرَنَّ (1) وَنَصَرُوا (2) وَنَصَرُوهُ (1) وَنَصَرْنَاهُ (1) وَنَصَرْنَاهُم (1) وَنَصِيرًا (1) وَيَنصُرَكَ (1) وَيَنصُرُونَ (1) وَيَنصُرْكُم (1) يَنتَصِرُونَ (2) يَنصُرَهُ (1) يَنصُرُ (1) يَنصُرُكُم (2) يَنصُرُنَا (1) يَنصُرُنِي (2) يَنصُرُهُ (2) يَنصُرُونَ (2) يَنصُرُونَكُم (1) يَنصُرُونَهُ (2) يَنصُرُونَهُم (2) يَنصُرْكُم (1) يَنصُرْكُمُ (1) يُنصَرُونَ (11)

 

                    عدد الكلمات المختلفة =  82

 

                    عدد الكلمات الكلي لهذا الجذر =  159

 

 

مفهوم الايمان

 

 

الايمان بالرسول الأعظم

 

عندما دعى الرسول المشركين الى الدين والقرآن، دعوا الله ان يمطر عليهم حجارة من السماء ليهلكهم او يعذبهم، وذلك بدل ان يدعوا الله ان يهديهم اليه ما دام هذا هو الحق من عند الله.  الآية تعرض هذا الموقف:

 

"وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ".

 

وفي هذا الزمان تتشابه طرق التفكير، فعندما يقال لامرأة من المسلمين ان الرسول طلب من الزوجة ان تطيع زوجها ولو في مسألة ظاهرها يتعارض مع مصلحة تتعلق بأبيها، تقول ان الرسول لا يقول مثل هذا الكلام ولا يدعو الى مثل هذا الخلق.  والمهم برأيها انه ان كان قاله فهي لا تؤمن به كرسول.

 

"وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً".

 

الحديث المشار اليه والمتعلق بتقديم طاعة الزوج على بر الوالد نصّه:

"عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا خرج وأمر امرأته أن لا تخرج من بيتها وكان أبوها في أسفل الدار وكانت في أعلاها فمرض أبوها فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال أطيعي زوجك فمات أبوها فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أطيعي زوجك فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم إن الله غفر لأبيها بطاعتها لزوجها".

 

لا بد ان التي تقول مثل الكلام المذكور آنفا نسيت او تناست من هو الرسول الذي نسبت اليه هذه الكلمات.  فالله امر الرسل جميعا ان يؤمنوا بمحمد لوادركوا نبوته وبعثته فهو خاتم الأنبياء والرسل وسيّد ولد آدم.  الأنبياء ملتزمون بالأيمان به ولو لم يسمعوا كلامه لمجرد ان الله اخذ منهم عهدا:  

 

"وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ".

 

الايمان بالكتب السماوية

 

"جاء عمربن الخطاب فقال يا رسول الله إني مررت بأخ لي من يهود من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة، قال أفلا أعرضها عليك ؟قال فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عبد الله: مسخ الله عقلك ! أما ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟فقال عمر رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد رسولا . قال : فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم ، إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين".

 

أمرنا الله ان نؤمن بالكتب السماوية التي انزلها هو كما نؤمن بوجوده هو ووجود الملائكة والجن والجنة والنار وكل المسائل الغيبية.  ولا نناقش الله في اوامره، ولا نبحث اولا عن الحكمة وراء الامور منه قبل ان نؤمن بها.  فعلى مستوى البشر، الجندي ينفذ ثم يناقش.  ونحن نتوضأ بالماء غسلا كما امرنا القرآن، ونتيمم بالتراب مسحا كما امرنا القرآن.  وشتان بين الماء والتراب في هذه العملية.  ولكننا قد لا ندرك ان المقصود ليس النظافة وانما الطهارة.  والأهم اننا ننفذ كلا الأمرين لأن الذي خلقنا وخلق الماء والتراب ويعرف النظافة والطهارة امرنا بذلك ويعلم ما هي الاشياء التي تطهر وفي نظرنا لا تنظف.  والقرآن بين لنا بوضوح تام ان الله يعلم وانتم لا تعلمون.

 

القرآن جاء لينسخ الكتب السماوية التي سبقته فهي صلحت لزمانها وانتهت وكانت حجة ومنهجا وبيّنة في ايدي الرسل الذين تلقوها من ربهم حينها. 

 

"وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚلِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ".

 

ارسل الله رسوله ليعلمنا الكتاب الذي هو هدى للناس، وغيره من الكتب قبله وعلى فترة من الرسل اوصل الناس الى الضلال بعد ان تعرض الأصل المنزل من عند الله الى اربعة اشياء هي: التبديل والتحريف والاخفاء والافتراء على الله بنسبة اقوال اليه هو لم يقلها، مثل:  "وقالوا اتخذ الله ولدا".  ولو كانت تلك الكتب ما زالت صحيحة لما كانت مشيئة الله ان ينزل كتابا آخر اخير، وان يرسل رسولا بمنهج جديد.  لأن البشر لو لم ينحرفوا عن الكتاب الأول لما انزل التالي وهكذا:

 

"هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ".

 

القرآن (الفرقان) فيه هدى وهو نذير للعالمين الى قيام الساعة:  "تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً".  والتوراة ليست هدى الاّ لبني اسرائيل فقط لا غير:  "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ".

 

الرسول عيسى أرسل الى بني اسرائيل ليصدق التوراة ولكن ليبشر برسول ياتي من بعده اسمه احمد.  اي انه نبّه ضمنا الى ان التوراة والانجيل سينتهي اثرهما فور مجيء الرسول ونزول الكتاب الأخيرين:

 

" وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ".

 

" وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ".

 

اليهود والنصارى الذين آمنوا بالتوراة والانجيل ملزمون بان يؤمنوا بمحمد وبالقرآن، فكتبهم امرتهم بذلك، والله بين لهم ان معه النور الحقيقي:

 

" الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".

 

 

 

 

مفهوم العلم في الإسلام

 

 

 

وردت كلمة "العلم" في القران الكريم 28 مرة. أنظر الى الآية التالية كمثال ولاحظ ارتباط الموضوع بالحياة الدنيا:

 

فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى. (النجم 53/30)

 

ووردت كلمة "العلم" في الحديث النبوي الشريف في عدد غير محدد من المواضع منها المثال التالي:

 

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ آبَاطَ الْمَطِيّ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، فَلاَ يَجِدُونَ عَالِمًا أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ».

 

فايّ العلم هو المقصود هنا؟ هل هو الطب أو الهندسة أو الرياضيات أو الجبر أو الكيمياء أو الفيزياء أو الأحياء أو الفلك أو علم النفس أو الكمبيوتر أو أي من العلوم الدنيوية الأخرى؟ وهل يشير الحديث النبوي الشريف الى أن أحدا من علماء المدينة المنورة برع في أيّ من علوم الدنيا هذه؟

 

وحيث انه من الواضح ان كلمة العلم في القرآن والحديث لا تحمل اي معنى من معاني العلوم الدنيوية المتعارف عليها، فان من الواجب الاقرار بأن المعنى الأكيد لكلمة العلم هو "علم الدين والقرآن". وفي الآيات التالية يوضح السياق المعنى المذكور لكلمة العلم ولكن من خلال عبارات يردد الناس بعضها لتأييد وجهة نظرهم في أن العلم (الدنيوي) مطلوب شرعا:

 

أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ. (الزمر 39/9)

 

فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً. (طه 20/114)

 

لكن الحقيقة الساطعة هي أن المقصود هو فقط القرآن وما يمثله من الدين الذي ارتضاه الله تعالى للإنسان:

 

وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (*) حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (*) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ (*) (النمل 27/83-84)

 

أنظر الى الرأيين التاليين في مفهوم العلم: الأول لشيخ يجلس في حلقة علم في المسجد الأقصى، والثاني لشيخ يظهر على بعض الفضائيات في برامج دينية:

 

1) صحيح أن العلم هو علم الدين والقرآن، ولكننا لكي نفهم القرآن علينا أن ندرس العلوم الدنيوية، وإلاّ كان فهمنا للقرآن ناقصا.

 

2) صحيح أن العلم هو علم الدين والقرآن، ولكن القرآن أوجب علينا أن ندرس العلوم الدنيوية من باب التفكر في خلق الله.

 

ولمّا كانت الأعمال بالنيّات وأن لكل امرئ ما نوى، فالواجب على من يتعلق به هذا الأمر أن يسأل نفسه السؤال التالي:

 

هل أنا أتعلم العلوم الدنيوية لأفهم القرآن أو لأتفكّر في خلق الله تعالى أم لأحصل على شهادة ووظيفة وكسب مادّي؟

 

وهنا لا بد من إيراد الحديث النبوي الشريف التالي:

 

حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا أَبُو كَرِبٍ الأَزْدِىُّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ».

 

وأما من يطلب العلم الدنيوي لتعزيز فهمه للدين والقرآن فيمكن أن نصف حاله كما في الحديث النبوي الشريف التالي:

 

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُصِيبُ الْبَابَ مِنَ الْعِلْمِ فَيَعْمَلُ بِهِ فَيَكُونُ خَيْراً لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَوْ كَانَتْ لَهُ فَجَعَلَهَا فِى الآخِرَةِ. قَالَ وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَبَ الْعِلْمَ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ يُرَى ذَلِكَ فِى بَصَرِهِ وَتَخَشُّعِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَصَلاَتِهِ وَزُهْدِهِ. قَالَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: انْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ هَذَا الْحَدِيثَ، فَإِنَّمَا هُوَ دِينُكُمْ.

 

 

السؤال الآن هو: هل إذا أنا أصبت بابا من العلوم الدنيوية أعمل به  وأجعل ذلك في الآخرة؟

 

 وهل إذا طلبت العلم الدنيوي لم يلبث أن يرى ذلك في بصري وتخشعي ويدي وصلاتي وزهدي؟

 

 

 

مفهوم العلم

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم".

وعن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏‏"‏يا أبا المنذر، أتدري أيّ آية من كتاب الله معك أعظم؟‏ قلت‏:‏ الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم. فضرب في صدري وقال‏:‏‏"‏ليهنك العلم أبا المنذر‏"‏‏.‏

فايّ العلم هو المقصود هنا؟

هل و الطب أو الهندسة أو الرياضيات أو الكيمياء أو الفيزياء أو علم النفس أو اي من العلوم الدنيوية الأخرى؟

وردت كلمة "العلم" في القران الكريم 28 مرة على النحو التالي:

البقرة 2/120

وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ.

البقرة 2/145

وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ ۚ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ۚ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ.

البقرة 2/247

وَقَالَ لَهُم نَبِيُّهمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً ۚ قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.

آل عمرا 3/7

هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ .

آل عمران 3/18

شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ ۚ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

آل عمران 3/19

إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ .

آل عمران 3/61

فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ .

النساء 4/162

لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ۚ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ۚ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً .

يونس 10/93

وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.

الرعد 13/37

وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ.

النحل 16/27

ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ.

الإسراء 17/85

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً.

الإسراء 17/107

قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً

مريم 19/43

يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً.

الحج 22/54

وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ.

النمل 27/42

فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ.

القصص 28/80

وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلاّ الصَّابِرُونَ.

العنكبوت 29/49

بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاّ الظَّالِمُونَ.

الروم 30/56 

وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ۖ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ.

سبأ 34/6

وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ.

غافر 40/83

فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون.

الشورى 42/14

وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ.

الجاثية 45/17

وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأمْرِ ۖ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.

الأحقاف 46/23

قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ.

محمد 47/16

وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً ۚ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ.

النجم 53/30

فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى.

المجادلة 58/11

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.

الملك 67/26

وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (*) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ.

في الآية الأخيرة وهي من سورة الملك 67/26 يختلف معنى كلمة العلم عن المعنى الذي يفهم من الكلمة في المواقع الأخرى ال 27 التي وردت فيها الكلمة. فمعنى كلمة العلم هنا هو المعرفة والخبر والاطلاع، ويشير في الغالب الى معرفة الغيب والأمور المحجوبة عن البشر.

وحيث انه من الواضح ان كلمة العلم في القرآن لا تحمل اي معنى من معاني العلوم الدنيوية المتعارف عليها، فان من الواجب الاقرار بأن المعنى الأكيد لهذه الكلمة هو "علم الدين والقرآن". وفي الآيات التالية يوضح السياق المعنى المذكور لكلمة العلم ولكن من خلال كلمات اخرى.

الزمر 39/9

أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ.

طه 20/114

فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً.

النمل 27/84

وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (*) حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (*) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ (*)

 

 

مفهوم المنطق عند امرأة

 

 

"مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ" و "مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ"

 

 

إحدى المسلمات العصريات، والدها أيضا مسلم عصري، لا يصلّي ولو فرض الجمعة في شهر رمضان، وهو يشرب الخمر ويقدمه لضيوفه، وهو يسخر ممّن يصلّي أو يلتزم بتعاليم الإسلام. قيل لها على سبيل الجدل، أن والدها بما تحصّل عليه من موقع اجتماعي ومن شهرة وثروة في هذه الدنيا، قد رتّب أمر آخرته بطريقة هو راض عنها ومطمئن لها.  فكيف لها أن تتدبر هي أمر آخرتها وهي لا تستطيع الوصول الى ما وصل اليه والدها؟

 

ردت بكل ثقة باللغة الإنجليزية وبنبرة أميركية، ربما لإضفاء المزيد من الموثوقية على جوابها وتعزيز ثقتها بنفسها، بأن لديها منطقها الخاص بها("I have my own logic") . ماذا قصدت تلك المرأة العصرية بهذه الجملة "غير المفيدة"؟ إنها قصدت بأنها تملك من الحجج ومن القدرة على المحاورة ما تستطيع به أن تجادل الله تعالى يوم القيامة، وأن تكون على نفسها وكيلة تبرر الأشياء وتدفع التهم وتفرض وجهات النظر.

 

الحال التي عليها الكثيرات من المسلمات، وخاصة اللواتي لا يقربن الصلاة، لا تذكّرهن بسورة الفاتحة وتحديدا الآية الرابعة منها، أن الله تعالى مالك يوم الدين وملك يوم الدين، وأن جميع خلق الله تعالى مملوكين لله جل جلاله اليوم وفي يوم الدين، الذي هو أيضا ملك لله تعالى يتصرف فيه بما يشاء وكيف يشاء.

 

فيوم القيامة لو سأل الله تعالى العبد من عباده أجاب، ولو أمره بالكلام تكلّم، ولو أمره بالسكوت سكت، ولو شاء أن يخرسه خرس ولم يعد بمقدوره النطق ولو بحرف واحد. ولو استرد الله تعالى من عبده وديعة العقل وملكة التفكير لم يعد للعبد منطق يتحذلق به. ولو وزن له بعبادة خمسمائة عام نعمة البصر وحدها ما أجزأت.

 

والواقع أن الله تعالى وهو مالك يوم الدين قال في كتابه الكريم (يس : 65) عن هذا الموقف يوم القيامة:

 

"الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"

 

ويتواصل الوصف وليس من فرصة للمنطق (فصّلت : 19-22):

 

وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ

وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *  وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ

 

شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا

 

أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ"

 

فليتذكر إذا جميع اولئك الذين ينامون مطمئنين بأنه سيكون لهم يوم القيامة فرصة للجدال مع الله تعالى، أنهم يومذاك مملوكين لله المالك الملك بكلّيتهم وبأبعاضهم، وأن المنطق الذي اوتوه ابتلاء في هذه الدنيا، انما هو شأن دنيوي يسري عليه منطق وحكم الزوال الذي يحكم سائر أمور هذه الدنيا الفانية، وأن يوم القيامة شأن خاص بالله جل جلاله تملكا وملكا وتصرفا وتصريفا.

 

 

Make a free website with Yola