«الْعَائِدُ فِى هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ في قَيْئِهِ»




وَإِنَّ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ ثَلاَثَ سَنَوَاتٍ شِدَادٍ يُصِيبُ النَّاسَ فِيهَا جُوعٌ شَدِيدٌ 

يَأْمُرُ اللَّهُ السَّمَاءَ فِى السَّنَةِ الأُولَى أَنْ تَحْبِسَ ثُلُثَ مَطَرِهَا 

وَيَأْمُرُ الأَرْضَ فَتَحْبِسُ ثُلُثَ نَبَاتِهَا 

ثُمَّ يَأْمُرُ السَّمَاءَ فِى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَتَحْبِسُ ثُلُثَىْ مَطَرِهَا 

وَيَأْمُرُ الأَرْضَ فَتَحْبِسُ ثُلُثَىْ نَبَاتِهَا

 ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ السَّمَاءَ فِى السَّنَةِ الثَّالِثَةِ فَتَحْبِسُ مَطَرَهَا كُلَّهُ فَلاَ تَقْطُرُ قَطْرَةٌ 

وَيَأْمُرُ الأَرْضَ فَتَحْبِسُ نَبَاتَهَا كُلَّهُ فَلاَ تُنْبِتُ خَضْرَاءَ 

فَلاَ تَبْقَى ذَاتُ ظِلْفٍ إِلاَّ هَلَكَتْ إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ.

قِيلَ فَمَا يُعِيشُ النَّاسَ فِى ذَلِكَ الزَّمَانِ قَالَ 

«التَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَيُجْرَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مَجْرَى الطَّعَامِ»


 

حديث الاستبدال

قَال ناسٌ من أَصحاب رسول الله: يَا رَسُولَ الله، مَنْ هَؤُلاَءِ الذينَ ذكَرَ اللهُ تعالى إنْ تَوَلَّيْنَا اسْتُبْدِلُوا بِنَا ثُمَّ لَمْ يَكُونُوا أَمْثَالَنَا؟

وَكَانَ سَلْمَانُ بِجَنْبِ رَسُولِ اللهِ، قَالَ فضَرَبَ رَسُولُ الله فخِذَ سَلْمَانَ، وقَال:

"هَذا وَأَصْحَابُهُ؛ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ الإِيمَانُ مَنُوطًا بالثّرَيّا لَتَنَاوَلَهُ رجَالٌ مِنْ فارس".

-----------------------------------------------------------------

حديث الاستبدال أصله في القرآن، كلام الله، وهومن الحكمة النبوية.

الحديث ليس عن الفرس، وإنما عن فارس وهو كالحديث عن منطقة جغرافية مثل خراسان والشام واليمن ونجد.

والحديث ليس عن المجوس عبدة النار، وإنما الحديث عن مؤمنين موحدين يشهدون أن لا إله إلا الله.


 

 

من كتاب رياض الصالحين

 

(للإمام النووي)

 

 

احاديث قدسيّة

 

وعن أبي العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيما يروى عن ربه، تبارك وتعالى قال‏:‏ ‏"‏إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك‏:‏ فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله تبارك وتعالى عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عشر حسنات إلى سبعمائه ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن همّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة‏"‏. ‏(‏‏‏متفق عليه‏‏‏)‏‏

-------------------------------------------------------------------------------------------------

عن سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي جندب بن جنادة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن الله تبارك وتعالى أنه قال‏:

‏"‏ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا؛ يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم؛

يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم؛

يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم؛

يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفرلكم؛

ياعبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني؛ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر؛

يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه‏"‏‏.‏ قال سعيد‏:‏ كان أبو إدريس إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه‏.‏ (رواه مسلم‏)

-------------------------------------------------------------------------------------------------وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن الله تعالى قال‏:‏ من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب‏.‏ وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته؛ ولئن استعاذني لأعيذنّه‏".‏ ‏(‏‏‏رواه البخاري‏‏‏)‏‏

‏-------------------------------------------------------------------------------------------------

وعنه عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ ‏"‏إذا أحب الله العبد نادى جبريل‏:‏ إن الله تعالى يحب فلانًا، فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء‏:‏ إن الله يحب فلانًا، فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض‏"‏ ‏(‏‏‏متفق عليه‏‏‏)‏ ‏.‏

وفي رواية لمسلم ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن الله تعالى إذا أحب عبدًا دعا جبريل، فقال:‏ إني أحب فلانًا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول‏:‏ إن الله يحب فلانًا، فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل فقال ‏:‏ إني أبغض فلانًا، فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء، إن الله يبغض فلانًا، فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض‏"‏‏.‏

-------------------------------------------------------------------------------------------------

وعن أبي ذر رضي الله عنه، قال‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم :‏ ‏"‏يقول الله عز وجل‏:‏ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد؛ ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة سيئة مثلها أوغفر‏.‏ ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعا؛ ومن تقرب منّي ذراعاً تقربت منه باعاً؛ ومن أتاني يمشي أتيته هرولة؛ ومن لقينى بقراب الأرض خطيئة لايشرك بي شيئاً، لقيته بمثلها مغفرة‏".‏ ‏(‏‏‏رواه مسلم‏)‏‏‏‏

-------------------------------------------------------------------------------------------------

وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يحكي عن ربه تبارك وتعالى، قال‏:‏ "أذنب عبدي ذنباً، فقال‏:‏ اللهم اغفر لي ذنبي، فقال الله تبارك وتعالى‏:‏ أذنب عبدى ذنبا، فعلم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال‏:‏ أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى‏:‏ أذنب عبدي ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال‏:‏ أي رب اغفر لى ذنبي، فقال تبارك وتعالى‏:‏ أذنب عبدي ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء". ‏‏‏(‏متفق عليه‏‏‏)

-------------------------------------------------------------------------------------------------‏‏

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ "قال الله عز وجل‏:‏ أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني؛ والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة. ومن تقرب إلي شبراً، تقربت إليه ذراعاً؛ ومن تقرب إلي ذراعاً، تقربت إليه باعاً؛ وإذا أقبل إلي يمشي، أقبلت إليه أهرول‏".‏ ‏(‏متفق عليه‏)‏‏

-------------------------------------------------------------------------------------------------وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ "قال الله تعالى‏:‏ يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي؛ يا أبن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك؛ يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك به شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة‏"‏. ‏‏‏(‏رواه الترمذي‏‏ وقال حديث حسن‏‏‏)‏‏

-------------------------------------------------------------------------------------------------

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏قال الله تعالى‏:‏ ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة:‏ رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره‏".‏ ‏(‏‏‏رواه البخاري‏)‏‏

 

 

 

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عَنْه أنّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

 

 

«لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِل


 الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ


 حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيّ مِنْ وَرَاءِ

 

 الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ

 

 الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا

 

 يَهُودِىٌّ خَلْفِى فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ. إِلاَّ الْغَرْقَدَ

 

 فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ»

  

******* 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عَنْه أنّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

 

         «وَاللَّهِ لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا

 

 عَادِلاً، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ

 

 الْخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ، وَلَتُتْرَكَنَّ

 

 الْقِلاَصُ فَلاَ يُسْعَى عَلَيْهَا، وَلَتَذْهَبَنَّ

 

 الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ،

 

 وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ فَلاَ يَقْبَلُهُ أَحَدٌ»

 

 

 

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

 

 

 

«أحْفُوا الشَّوَارِبَ

 

 

 وَأعْفُوا اللِّحَى»

  

 

أعفوا اللحى: لا تقصّوا منها شيئا.

 

أحفوا الشوارب: بالغوا في قصّها.

 

 

 

عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

 

ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره. ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك الإيمان حبة خردل.

 

 

 

 

باب اليقين والتوكل

 

 

 

74- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي، فقيل لي‏:‏ هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق؛ فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي، أنظر إلى الأفق الآخر؛ فإذا سواد عظيم، فقيل لي‏:‏ هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب‏. ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب؛ فقال بعضهم‏:‏ فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقال بعضهم‏:‏ فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام، فلم يشركوا بالله شيئاً- وذكروا أشياء - فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏‏ما الذي تخوضون فيه‏؟‏‏‏ فأخبروه فقال‏:‏ ‏‏هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون‏.‏ فقام عكاشة بن محصن فقال‏:‏ أدع الله أن يجعلني منهم، فقال‏:‏ ‏‏أنت منهم‏.‏ ثم قام رجل آخر فقال‏:‏ أدع الله أن يجعلني منهم فقال‏:‏ ‏‏سبقك بها عكاشة‏‏.‏ ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏‏‏

 

75- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول‏:‏ ‏‏اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت‏.‏ اللهم أعوذ بعزتك، لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا تموت، والجن والإنس يموتون‏.‏ ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏‏ ‏(‏‏‏وهذا لفظ مسلم، واختصره البخاري‏)‏‏‏‏‏

 

76- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ ‏‏حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا‏:‏ "إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا‏‏ حسبنا الله ونعم الوكيل‏".‏ ‏(‏‏‏رواه البخاري‏)‏‏‏‏

 

77- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏‏يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير‏.‏ ‏(‏‏‏رواه مسلم‏)‏‏‏‏

 

78- عن جابر رضي الله عنه أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل نجد. فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معهم، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرق الناس يستظلون بالشجر. ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة، فعلق بها سيفه. ونمنا نومة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا؛ وإذا عنده أعرابي فقال‏:‏ ‏‏إن هذا اخترط عليّ سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا، قال‏:‏ من يمنعك منى‏؟‏ قلت‏:‏ الله -ثلاثا‏.‏ ولم يعاقبه وجلس‏.‏ ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏‏‏

 

وفي رواية‏ قال جابر‏:‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع‏؛‏ فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء رجل من المشركين، وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة. فاخترطه فقال:‏ تخافني‏؟‏ قال‏:‏ ‏ ‏لا،‏ ‏ قال‏:‏ فمن يمنعك مني‏؟‏ قال‏:‏ ‏‏الله‏‏‏.‏

 

وفي رواية أبي بكر الإسماعيلى في صحيحه‏‏ قال‏:‏ من يمنعك مني‏؟‏ قال:‏ ‏ ‏الله‏. ‏ قال‏:‏ فسقط السيف من يده. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف فقال‏:‏ ‏ ‏من يمنعك مني‏؟‏‏ ‏ فقال كن خير آخذ. فقال ‏ ‏تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله‏؟‏ ‏ ‏ قال‏:‏ لا، ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك. فخلى سبيله، فأتى أصحابه فقال‏:‏ جئتكم من عند خير الناس‏.‏

 

79- عن عمر رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ ‏‏لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً‏.‏ ‏(‏‏‏رواه الترمذي، وقال حديث حسن‏)‏‏‏

 

80- عن أبي عمارة البراء بن عازب رضي الله عنهما قال،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏يا فلان إذا أويت إلى فراشك فقل‏‏ اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك‏،‏ وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت؛ فإنك إن مت من ليلتك مت على الفطرة، وإن أصبحت أصبت خيراً‏.‏ ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏‏

 

81- عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي رضي الله عنه - وهو وأبوه وأمه صحابة، رضي الله عنهم- قال‏:‏ نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا فقلت يارسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدمية لأبصرنا‏.‏ فقال‏:‏ ‏ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما‏. ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏‏‏

 

82- عن أم المؤمنين أم سلمة، واسمها هند بنت أبي أمية حذيفة المخزومية، رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال‏:‏ ‏‏بسم الله، توكلت على الله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أذل أو أذل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي‏ّّ. ‏(‏‏حديث صحيح رواه أبو داود، والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحة‏)‏‏.‏ ‏(‏قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح، وهذا لفظ أبي داود‏)‏‏

 

83- عن أنس رضي الله عنه قال‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من قال- يعني إذا خرج من بيته -‏‏ بسم الله توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له‏‏ هديت وكفيت ووقيت، وتنحى عنه الشيطان‏‏‏.‏ (رواه أبو داود والترمذي، والنسائي وغيرهم‏.‏ وقال الترمذي‏‏ حديث حسن) زاد أبو داود‏:‏ ‏‏فيقول ‏:‏- يعني الشيطان - لشيطان آخر‏:‏ كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي‏؟‏

 

84- وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ كان أخوان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أحدهما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر يحترف. فشكا المحترف أخاه للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي:‏ ‏‏لعلك ترزق به‏.‏ ‏(‏‏‏رواه الترمذي بإسناد صحيح على شرط مسلم‏)‏‏‏‏‏

 

 

 

باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 

184- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‏، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان‏".‏ ‏(‏‏‏رواه مسلم‏)‏‏

 

185- عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك الإيمان حبة خردل‏"‏. ‏(‏‏‏رواه مسلم‏)‏‏

 

186- عن أبي الوليد عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال‏، بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرةٍ علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا - عندكم من الله تعالى فيه برهان، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم‏"‏. ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏

 

187- عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا‏:‏ لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا‏".‏ ‏(‏‏رواه البخاري‏)‏

 

188- عن أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية حذيفة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏إنه يستعمل عليكم أمراءُ فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع”. قالوا‏‏ يا رسول الله ألا نقاتلهم‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا، ما أقاموا فيكم الصلاة‏".‏ ‏(‏‏‏رواه مسلم‏)‏

 

189- عن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول‏:‏ ‏"‏لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه"، وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها‏.‏ فقلت‏‏ يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم، إذا كثر الخبث‏"‏. ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

190- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إياكم والجلوس في الطرقات‏"‏! فقالوا يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها‏!‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه‏".‏ قالوا‏ وما حق الطريق يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر‏"‏. ‏(‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

191- عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتمًا من ذهب في يد رجل، فنزعه فطرحه، وقال‏:‏ ‏"‏يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده‏‏".‏ فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ خذ خاتمك انتفع به‏!‏ قال‏‏ لا والله لا آخذه أبدًا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏(‏‏رواه مسلم‏)‏‏

 

192- عن أبي سعيد الحسن البصري، أن عائذ بن عمرو رضي الله عنه دخل على عبيد الله بن زياد فقال‏‏ أي بني! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إن شر الرعاء الحطمة"، فإياك أن تكون منهم! فقال له اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. فقال‏ وهل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم‏!‏ ‏(‏‏‏رواه مسلم‏)‏‏

 

193- عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم‏"‏. ‏(‏‏‏رواه الترمذي، وقال‏‏ حديث حسن صحيح‏)‏‏

 

194- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر‏"‏. ‏(‏‏‏رواه أبوداود والترمذي، وقالا‏‏ حديث حسن‏)‏‏

 

195- عن أبي عبد الله طارق بن شهاب البجلي الأحمسي رضي الله عنه، أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وضع رجله في الغرز‏، أي الجهاد أفضل‏؟‏ قال‏:‏ "كلمة حق عند سلطان جائر‏".‏ ‏(‏‏‏رواه النسائي بإسناد صحيح‏)‏‏

 

196- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ ‏"‏إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول‏‏ يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك! ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده. فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض‏"‏. ثم قال‏:‏ ‏{‏لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون‏.‏ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون‏.‏ ترى كثيرًا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم‏}‏ إلى قوله‏‏ ‏{‏فاسقون‏}‏. ‏(‏‏‏المائدة‏:‏ 78 - 81‏)‏ ثم قال‏:‏ ‏"‏ كلاّ، والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا، ولتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعننكم كما لعنهم‏"‏. ‏(‏‏‏رواه أبوداود والترمذي، وقالا‏ حديث حسن‏)‏‏

 

هذا لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ "‏لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون‏". ‏ فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان متكئًا فقال‏:‏ ‏ ‏"لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرا".‏ قوله‏ ‏تأطروهم:‏ ‏ أي تعطفوهم‏.‏ ‏ ‏ ولتقصرنه:‏ ‏ أي لتحبسنه‏.‏

 

197- عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال‏‏ يا أيها الناس إنكم لتقرءون هذه الآية‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم‏}.‏ ‏(‏‏‏المائدة ‏:‏ 105‏)‏‏ وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ "إن الناس إذا رأو الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه‏".‏ ‏(‏‏‏رواه أبوداود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة‏)‏‏

 

باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف أو نهى عن منكر وخالف قوله فعله

 

198- وعن أبي زيد أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما قال،‏‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون‏ يا فلان ما لك؟‏ ألم تك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر‏؟‏ فيقول‏:‏ بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه‏".‏ ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

 

 

باب الوصية بالنساء

273- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ ‏"‏إستوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته، لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء‏".‏ ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏‏

 

وفي رواية في ‏‏‏‏الصحيحين‏‏‏‏‏:‏ ‏"‏المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعت بها، استمتعت وفيها عوج‏"‏‏.

 

وفي رواية لمسلم‏:‏ ‏"‏إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمعت بها وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها‏"‏‏.‏

 

274- وعن عبد الله بن زمعة رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، وذكر الناقة والذي عقرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذ انبعث أشقاها‏)‏ "انبعث لها رجل عزيز، عارم منيع في رهطه‏"‏. ثم ذكر النساء، فوعظ فيهن، فقال‏:‏ ‏"‏يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد فلعله يضاجعها من آخر يومه‏"‏. ثم وعظهم في ضحكهم من الضرطة وقال‏:‏ ‏"‏لم يضحك أحدكم مما يفعل‏؟‏‏"‏. ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

275 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خُلقا رضي منها آخر‏".‏ أو قال‏:‏ ‏"‏غيره‏"‏. ‏(‏‏‏رواه مسلم‏)‏‏

 

276 - وعن عمرو بن الأحوص الجشمي رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول بعد أن حمد الله تعالى، وأثنى عليه وذكر ووعظ، ثم قال‏:‏ ‏"‏ألا واستوصوا بالنساء خيرًا فإنما هن عوانٍ عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرّح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن‏".‏ ‏(‏‏‏رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح‏)‏‏

 

277- وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال،‏ قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حق زوجة أحدنا عليه‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت‏". (حديث حسن رواه أبو داود وقال‏‏ معنى ‏"‏لاتقبح‏"‏ أي‏ لا تقل قبحك الله‏)

 

278- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏"‏أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خُلقا، وخياركم خياركم لنسائهم‏"‏. ‏(‏‏‏رواه الترمذي وقال:‏ حديث حسن صحيح‏)‏‏‏

 

279- وعن إياس بن أبي ذباب رضي الله عنه قال‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ ‏"‏لاتضربوا إماء الله‏"‏. فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:‏ ذئرن النساء على أزواجهن، فرخص في ضربهن. فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ ‏"‏لقد أطاف بآل بيت محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم‏"‏. ‏(‏‏‏رواه أبو داود بإسناد صحيح‏)‏‏‏

 

280- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة‏". ‏(‏‏‏رواه مسلم‏)‏‏

  

 

 

باب حق الزوج على المرأه

 

 

281- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏‏ "‏إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح‏".‏ ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

وفي رواية لهما ‏"‏إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح‏"‏‏.‏

 

وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ ‏"‏والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها‏"‏‏.‏

 

282- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ‏"‏لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه‏".‏ ‏(‏‏‏متفق عليه وهذا لفظ البخاري‏)‏‏

 

283- وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته؛ والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته‏".‏ ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

284- وعن أبي علي طلق بن علي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور‏"‏. ‏(‏‏‏رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي‏‏ حديث حسن صحيح‏)‏‏‏

 

285- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها‏".‏ ‏(‏‏‏رواه الترمذي وقال‏ حديث حسن صحيح‏)‏‏

 

286- وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ ‏"‏أيما امرأة ماتت، وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة‏".‏ ‏(‏‏‏رواه الترمذي وقال حديث حسن‏)‏‏

 

287- وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله‏!‏ فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا‏".‏ ‏(‏‏‏رواه الترمذي وقال حديث حسن‏)‏‏

 

288- وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء‏"‏. ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

 

 

باب الخوف

 

 

 -396وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏،‏ حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق‏:‏ ‏"‏إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفةً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يرسل الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات‏:‏ يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقيّ أم سعيد‏.‏ فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلى ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها‏".‏ ‏(‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

 -397وعنه قال،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏"‏يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ‏".‏ ‏‏(‏رواه مسلم‏)‏

 

 -398وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال،‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏: "إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه، ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا، وإنه لأهونهم عذابا‏". (‏‏متفق عليه‏)‏

 

-399 وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه، أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه إلى ترقوته‏"‏ ‏(‏‏رواه مسلم‏)‏

 

 -400وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ‏"‏يقوم الناس لرب العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه‏".‏ ‏(‏‏متفق عليه‏)

 

 -401وعن أنس رضي الله عنه قال‏، خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط، فقال‏:‏ ‏"‏لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً‏".‏ فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم، ولهم خنين‏.‏ ‏(‏متفق عليه‏)‏

 

وفي رواية‏:‏ بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال‏:‏ ‏"‏عرضت على الجنة والنار، فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيراً‏"‏. فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه، غطوا رؤوسهم ولهم خنين‏.‏

 

 -402وعن المقداد رضي الله عنه قال‏،‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل‏‏ (قال سليم بن عامر الراوي عن المقداد‏، فوالله ما أدري ما يعني الميل، أمسافة الأرض أم الميل الذي تكتحل به العين) ‏فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً‏".‏ وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه. ‏(‏‏‏رواه مسلم‏)‏‏

 

 -403وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم‏".‏ ‏(‏‏متفق عليه‏)‏

 

404- وعنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع وجبة فقال‏:‏ ‏"‏هل تدرون ما هذا‏؟‏‏"‏ قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ قال‏:‏ "هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفاً فهو يهوي في النار الآن حتى انتهي إلى قعرها فسمعتم وجبتها‏"‏ ‏(‏رواه مسلم‏)

 -405وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏"‏ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه، فلا يرى إلاّ ما قدّم، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلاّ ما قدّم، وينظر بين يديه، فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة‏".‏ ‏(‏متفق عليه‏)

 

-406  وعن أبي ذر رضي الله عنه قال‏، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏"‏إني أرى ما لا ترون؛ أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله تعالى. والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى‏".‏ ‏(‏رواه الترمذي وقال‏ حديث حسن‏)‏

 

 -407وعن أبي برزة - براء ثم زاي- نضلة بن عبيد الأسلمى رضي الله عنه قال‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه‏".‏ ‏(‏رواه الترمذي وقال‏‏ حديث حسن صحيح‏)

 

 -408وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏، قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏{‏يومئذ تحدث أخبارها‏}‏ ثم قال‏:‏ ‏"‏أتدرون ما أخبارها‏؟‏‏"‏ قالوا الله ورسوله أعلم‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها تقول‏ عملت كذا وكذا في يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها‏".‏ ‏(‏رواه الترمذي وقال‏‏ حديث حسن‏)

 

 -409وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏"‏كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ‏".‏ فكأن ذلك ثقل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم‏:‏‏ "‏قولوا ‏حسبنا الله ونعم الوكيل‏".‏ ‏(‏رواه الترمذي وقال حديث حسن‏)‏‏

 

410- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏"‏من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل؛ ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة‏".‏ ‏(‏رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن)‏

 -411وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏،‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا‏".‏ قلت‏ يا رسول الله الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏يا عائشة الأمر أشد من أن يهمهم ذلك‏"‏‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏"‏الأمر أهم من أن ينظر بعضهم إلى بعض‏".‏ ‏(‏متفق عليه‏)‏ 

 

 

 

باب فضل الزهد في الدنيا

 

والحث على التقلل منها

 

وفضل الفقر

 

 

457- عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أباعبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى البحرين يأتي بجزيتها، فقدم بمال من البحرين ، فسمعت الأنصار بقدوم أبوعبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فتعرضوا له. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال‏:‏ "أظنكم سمعتم أن أباعبيدة قدم بشئ من البحرين‏؟‏” فقالوا‏:‏ أجل يا رسول الله. فقال‏:‏ "أبشروا وأمّلوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم". ‏(‏‏متفق عليه‏)‏

 

458- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال،‏ جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وجلسنا حوله، فقال‏:‏ ‏"‏إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها". ‏(‏‏متفق عليه‏)

459- وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله تعالى مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء‏".‏ ‏(‏‏رواه مسلم‏)

460- وعن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ "اللهم لا عيش إلاّ عيش الآخرة‏".‏ ‏(‏‏متفق عليه‏)‏

 

461- وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ "يتبع الميت ثلاثة‏:‏ أهله وماله وعمله‏؛‏ فيرجع اثنان ويبقى واحد‏:‏ يرجع أهله وماله ويبقى عمله‏"‏‏.‏ ‏(‏‏متفق عليه‏)

462- وعنه قال‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ "يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال‏:‏ يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط‏؟‏ هل مر بك نعيم قط‏؟‏ فيقول‏:‏ لا والله يا رب‏.‏ ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنياً من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له‏:‏ يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط‏؟‏ هل مر بك شدة قط‏؟‏ فيقول‏‏ لا والله ما مر بى بؤس قط، ولا رأيت شدة قط‏".‏ ‏(‏‏رواه مسلم‏)‏‏‏

 

463- وعن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏"ما الدنيا في الآخرة، إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع‏؟‏‏"‏ ‏(‏‏رواه مسلم‏)

‏‏

464- وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق والناس كنفتيه، فمر بجدى أسك ميت، فتناوله فأخذ بأذنيه، ثم قال‏:‏ ‏"‏أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم‏؟‏‏"‏ فقالوا‏‏ ما نحب أنه لنا بشئ؛ ومانصنع به‏؟‏ ثم قال‏:‏ "أتحبون أنه لكم‏؟‏ قالوا‏:‏ والله لو كان حياً كان عيباً؛ إنه أسك‏.‏ فكيف وهو ميت!‏ فقال‏:‏ ‏"‏فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم‏".‏ ‏(‏‏رواه مسلم‏)‏

 

465- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال، كنت أمشى مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة بالمدينة. فاستقبلنا أحد فقال‏:‏ ‏"‏يا أبا ذر!‏"‏ قلت‏:‏ لبيك يا رسول الله‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضى علي ثلاثة أيام وعندي منه دينار، إلا شئ أرصده لدين، إلا أن أقول له به في عباد الله هكذا، وهكذا وهكذا‏"‏ عن يمينه وعن شماله ومن خلفه. ثم سار فقال‏:‏ ‏"‏إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا‏"‏ عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ‏"‏وقليل ما هم‏".‏ ثم قال لى: ‏"‏مكانك لا تبرح حتى آتيك‏".‏ ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى، فسمعت صوتا قد ارتفع، فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فأردت أن آتيه فذكرت قوله‏:‏ ‏"‏لا تبرح حتى آتيك‏"،‏ فلم أبرح حتى أتانى، فقلت:‏ لقد سمعت صوتاً تخوفت منه، فذكرت له، فقال‏:‏ ‏"‏وهل سمعته‏؟‏‏"‏ قلت‏:‏ نعم، قال‏:‏ ‏"‏ذاك جبريل أتانى فقال‏:‏ من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، قلت‏:‏ وإن زنى وإن سرق‏؟‏ قال‏:‏ وإن زنى وإن سرق‏".‏ ‏(‏‏‏متفق عليه وهذا لفظ البخاري‏)‏

466- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لو كان لي مثل أحد ذهباً، لسرني أن لا تمر علي ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين‏".‏ ‏(‏متفق عليه‏)‏

 

467- وعنه قال‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم‏".‏ ‏(‏متفق عليه وهذا لفظ مسلم‏)‏

 

وفي رواية البخاري‏:‏ ‏"‏إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه‏"‏‏.‏

 

468- وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ "تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة؛ إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض‏".‏ ‏(‏‏رواه البخاري‏)‏‏

 

469- وعنه رضي الله عنه قال‏:‏ لقد رأيت سبعين من أهل الصفة، ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته". ‏(‏‏رواه البخاري‏)

470- وعنه قال‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏"‏الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر‏".‏(‏رواه مسلم‏)‏

471- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال‏،‏ أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال‏:‏ ‏"‏كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل‏"‏‏.‏

 

وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول‏:‏ إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت لا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك‏.‏ ‏(‏‏رواه البخاري‏)‏

 

472- وعن أبي العباس سهل بن سعد الساعدى رضي الله عنه قال‏،‏ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏،‏ يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله واحبني الناس! فقال‏:‏ "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس". ‏(‏‏حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة‏)‏

 

473- وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال‏،‏ ذكر عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ما أصاب الناس من الدنيا، فقال‏:‏ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يتلوى ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه‏.‏ ‏(‏‏رواه مسلم‏)

 

474- وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏،‏ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي، فكلته ففني". ‏(‏‏متفق عليه‏)‏

 

475- وعن عمرو بن الحارث أخي الجويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنهما قال‏،‏ ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته ديناراً ولا درهماً، ولا عبداً، ولا أمة، ولا شيئا إلا بغلته البيضاء التى كان يركبها، وسلاحه، وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة‏".‏ ‏(‏‏رواه البخاري‏)

 

476- وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال‏،‏ هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله تعالى، فوقع أجرنا على الله. فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير رضي الله عنه، قتل يوم أحد وترك نمرة، فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا بها رجليه بدا رأسه. فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه، ونجعل على رجليه شيئاً من الإذخر. ومنا من أينعت له ثمرته، فهو يهديها‏.‏ ‏(‏متفق عليه‏)‏

 

477- وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ ‏"‏لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء‏". ‏‏(‏‏رواه الترمذي،‏ وقال حديث حسن صحيح‏)‏

 

478 وعن أبي هُرَيْرَة رضي اللَّه عنه قال،‏ سمعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: "ألا إن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله تعالى، وما والاه، وعالماً ومتعلماً‏"‏‏.‏

‏(‏‏رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن‏)‏

 

479- وعن عَبْدِ اللَّه بنِ مسعودٍ رضي اللَّه عنه قال،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏: "لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا‏"‏‏.‏ ‏(‏رواه الترمذي، وقال‏ حديثٌ حسنٌ ‏)‏ (الضيعة: العقار أو الحرفة والصنعة)

 

480- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال،‏ مرّ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نعالج خصاً لنا فقال‏:‏ ‏"‏ما هذا‏؟‏‏"‏ فقلنا‏‏ قد وهي، فنحن نصلحه، فقال‏:‏ ‏"‏ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك‏"‏‏.‏

 رواه أبو داود، والترمذي بإسناد البخاري ومسلم، وقال الترمذي‏:‏ ‏(‏‏حديث حسن صحيح‏)‏

481- وعن كعب بن عياض رضي الله عنه قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال‏".‏ ‏(‏‏رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن صحيح‏)‏

482- وعن أبي عمرو (ويقال‏ أبو عبد الله‏ وأبو ليلى) عثمان ابن عفان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال‏:‏ بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز، والماء‏". ‏(‏‏رواه الترمذي، وقال‏‏ حديث صحيح‏)

(الجلف: الخبز ليس معه إدام. أو هو غليظ الخبز)

483- وعن عبد الله بن الشّخّير ‏"‏بكسر الشين والخاء المشددة المعجمتين‏"‏ رضي الله عنه أنه قال‏،‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ‏:‏ ‏{‏ ألهاكم التكاثر‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏يقول ابن آدم‏ مالي مالي! وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟‏‏‏"‏ ‏(‏‏رواه مسلم‏)

484- وعن عبد الله بن مغفّل رضي الله عنه قال‏،‏ قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يارسول الله والله إنى لأحبك! فقال‏:‏ ‏"‏انظر ماذا تقول‏‏‏".‏ قال‏:‏ والله إنى لأحبك! ثلاث مرات. فقال‏:‏ ‏"‏إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافاً، فإن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه‏".‏ ‏(‏رواه الترمذي وقال حديث حسن‏)‏

(تجفافاً: شيئا كالدرع يقي من الأذى)

 

485- وعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ ‏"‏ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف، لدينه‏".‏ ‏(‏‏رواه الترمذي، وقال‏ حديث حسن صحيح‏)‏‏

 

486- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‏،‏ نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير، فقام وقد أثر في جنبه‏.‏ قلنا‏‏ يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء‏ا.‏ فقال‏:‏ ‏"مالي وللدنيا‏؟‏ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها"‏.‏ ‏(‏‏رواه الترمذي، وقال‏‏ حديث حسن صحيح‏)‏

487- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام‏".‏ ‏(‏رواه الترمذي، وقال‏‏ حديث حسن صحيح‏)‏

 

488- وعن ابن عباس وعمران بن الحصين رضي الله عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏ قال: ‏"‏اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء‏".

‏(‏‏متفق عليه من رواية ابن عباس‏)‏ (‏‏ورواه البخاري أيضاً من رواية عمران بن الحصين‏)‏

 

489- وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏قمت على باب الجنة، فكان عامة من دخلها المساكين‏،‏ وأصحاب الجد محبوسون؛ غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار‏".‏ ‏(‏متفق عليه‏)‏

 

490- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏أصدق كلمة قالها شاعر، كلمة لبيد‏:‏ ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل"‏‏.‏ ‏(‏متفق عليه‏)‏

 

 

 

 باب فضل قراءة القرآن

 

 

989- - عن أبي أمامة رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه‏".‏ ‏(‏‏‏رواه مسلم‏)‏‏

 

 -990- وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانو يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجّان عن صاحبهما".‏ (‏‏‏رواه مسلم‏)‏‏

 

 -991- وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏خيركم من تعلم القرآن وعلمه‏".‏ ‏(‏‏‏رواه البخاري‏)‏‏

 

 -992- وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ ‏"‏الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران‏"‏. ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

 -993- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة‏:‏ ريحها طيب وطعمها طيب؛ ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة‏:‏ لا ريح لها وطعمها حلو؛ ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة‏:‏ ريحها طيب وطعمها مر؛ ومثل المنافق الذي لايقرأ القرآن كمثل الحنظلة‏:‏ ليس لها ريح وطعمها مر‏".‏ ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏‏

 

 -949- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين‏".‏ ‏(‏‏‏رواه مسلم‏)‏‏

 

 -995- وعن ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ‏‏"‏لا حسد إلا في اثنتين‏:‏ رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار؛ ورجل آتاه الله مالا، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهارِ‏".‏ ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏

 -996- وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال‏:‏ كان رجل يقرأ سورة الكهف، وعنده فرس مربوط بشطنين، فتغشته سحابة فجعلت تدنو، وجعل فرسه ينفر منها‏.‏ فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر له ذلك فقال:‏‏ "‏تلك السكينة تنزلت للقرآن‏".‏ ‏(‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

 -997- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول‏:‏ ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف‏". ‏‏(‏‏‏راوه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن صحيح‏)‏‏

 

 -998- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ ‏"‏إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب‏"‏‏.‏ ‏(‏‏‏رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن صحيح‏)‏‏

 

 -999- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏يقال لصاحب القرآن‏:‏ اقرأ وارتقِ ورتل كم كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها‏"‏‏.‏ ‏(‏‏‏رواه أبو داود والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن صحيح‏)‏‏

 

 باب الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان‏:‏

 

 -1000- عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ‏"‏تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتًا من الإبل في عقلها‏"‏‏.‏ ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

 -1001- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت‏".‏) متفق عليه‏)

 

باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن وطلب القراءة من حسن الصوت والاستماع لها‏:

 

 -1002- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏: ‏سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به"‏. ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏

 

 -1003- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ‏‏"‏لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ‏". ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

وفي روايه لمسلم‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:‏ ‏"‏لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة‏"‏‏.‏

 

 -1004- وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: ‏سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في العشاء بالتين والزيتون، فما سمعت أحدًا أحسن صوتا منه. ‏(‏متفق عليه‏)‏‏

 

-1005-  وعن أبي لبابة بشير بن عبد المنذر رضي الله عنه قال أ‏ن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من لم يتغنَ بالقرآن فليس منا ‏"‏‏.‏‏ (‏‏‏رواه أبو داود بإسناد جيد‏)‏‏

 

 -1006- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:‏‏ "‏اقرأ علي القرآن‏"‏. فقلت:‏ يا رسول الله، أقرأ عليك وعليك أنزل؟‏‏!‏ قال ‏:‏ ‏"‏إني أحب أن أسمعه من غيري‏".‏ فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية ‏:‏ ‏{‏فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏حسبك الآن‏"‏ فالتفت إليه، فإذا عيناه تذرفان. ‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏

 

باب في الحث على سور وآيات مخصوصة ‏:

-1007-  عن أبي سعيد رافع بن المعلى رضي الله عنه قال:‏ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏‏"‏ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد‏؟‏ فأخذ بيدي، فلما أردنا أن نخرج قلت:‏ يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته "‏‏.‏ ‏(‏‏رواه البخاري‏)‏‏

 

-1008-  وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في‏ ‏‏{‏ قل هو الله أحد‏}‏‏:‏‏"‏والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن‏"‏‏.‏

 

وفي رواية‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه‏:‏‏ "أيعجز أحدكم أن يقرأ بثلث القرآن في ليلة‏"؟‏ فشق ذلك عليهم، وقالوا‏:‏ أينا يطيق ذلك يارسول الله‏؟‏ فقال:‏‏"‏ ‏{‏قل هو الله أحد‏}‏ ثلث القرآن‏"‏‏.‏ ‏(‏‏‏ رواه البخاري‏)‏‏

 

-1009-  وعنه أن رجلا سمع رجلاً يقرأ‏:‏‏{‏قل هو الله احد‏}‏ يرددها. فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له وكأن الرجل يتقالّها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏‏"‏والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن‏"‏‏.‏ ‏(‏‏‏رواه البخاري ‏)‏‏

 

-1010-  وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في‏ ‏‏{‏ قل هو الله أحد‏}‏: ‏"‏إنها تعدل ثلث القرآن‏"‏‏. ‏‏(‏رواه مسلم)‏‏

 

-1011-  وعن أنس رضي الله عنه أن رجلا قال‏:‏ يارسول الله إني أحب هذه السورة ‏"‏قل هو الله أحد‏"؛ قال‏‏: ‏‏"‏إن حبها أدخلك الجنة‏"‏. ‏(‏‏‏رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن- رواه البخاري في صحيحه تعليقًا‏)‏‏‏

 

 -1012- وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:‏‏"‏ألم ترَ آيات أنزلت هذه الليلة لم يرَ مثلهن قط‏؟‏ قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس"‏‏. ‏‏(‏‏رواه مسلم‏)‏‏

 

1013- - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان، وعين الإنسان، حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلتا، أخذ بهما وترك ما سواهما. (‏‏‏رواه الترمذي وقال ‏:‏حديث حسن ‏)‏‏

 

 -1014- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏‏"‏من القرآن سورة ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفرت له، وهي‏:‏ تبارك الذي بيده الملك"‏‏.‏ ‏(‏رواه أبو داود والترمذي وقال:‏‏ حديث حسن. وفي رواية أبي داود‏:‏ ‏"‏تشفع ‏"‏‏)‏‏

 

 -1015- وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:‏‏ "‏من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه".‏ ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

 -1016- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:‏‏ "‏لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة‏".‏ ‏(‏رواه مسلم‏)‏‏

 

 -1017- وعن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏‏"‏يا أبا المنذر، أتدري أيّ آية من كتاب الله معك أعظم؟‏ قلت‏:‏ الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم. فضرب في صدري وقال‏:‏‏"‏ليهنك العلم أبا المنذر‏"‏‏.‏ ‏‏‏(‏رواه مسلم ‏)‏

 

 -1018- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته فقلت‏:‏ لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إني محتاج، وعلي عيال، وبي حاجة شديدة، فخليت عنه، فأصبحت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏: ‏‏"‏يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة‏؟‏‏"‏ قلت‏:‏ يا رسول الله شكا حاجة وعيالا، فرحمته، فخليت سبيله‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏أما إنه قد كذبك وسيعود‏"‏ فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فرصدته. فجاء يحثو من الطعام، فقلت‏:‏ لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ دعني فإني محتاج، وعلي عيال لا أعود، فرحمته فخليت سبيله. فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة‏؟‏‏"‏ قلت‏:‏ يا رسول الله شكا حاجة وعيالا فرحمته، فخليت سبيله. فقال‏:‏ ‏"‏إنه قد كذبك وسيعود‏"‏ فرصدته الثالثة‏.‏ فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت‏:‏ لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا آخر ثلاث أنك تزعم أنك لا تعود، ثم تعود‏!‏ فقال‏:‏ دعني فإني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت‏:‏ ما هن‏؟‏ قال‏:‏ إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله. فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما فعل أسيرك البارحة‏؟‏ ‏"‏ قلت‏:‏ يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، فخليت سبيله‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ما هي‏؟‏‏"‏ قلت‏:‏ قال لي‏:‏ إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية‏:‏ ‏{‏الله لا إله إلا هو الحي القيوم‏}‏. وقال لي‏:‏ لا يزال عليك من الله حافظ، ولن يقربك شيطان حتى تصبح. فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أما إنه قد صدقك وهو كذوب. تعلم من تخاطب منذ ثلاث يا أبا هريرة ‏"‏‏؟‏ قلت‏:‏ لا، قال‏:‏ ‏"‏ذاك شيطان‏".‏ ‏(‏‏‏رواه البخاري‏)‏‏

 

 -1019- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عصم من الدجال‏".‏ وفي رواية‏:‏ ‏"‏من آخر سورة الكهف‏".‏ ‏(‏‏‏رواهما مسلم‏)‏‏

 

 -1020-وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ بينما جبريل عليه السلام قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضًا من فوقه، فرفع رأسه فقال‏:‏ ‏"‏هذا باب من السماء فتح اليوم ولم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال‏:‏ هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم. فسلّم وقال‏:‏ أبشر بنورين أوتيتهما، لم يؤتهما نبي قبلك‏:‏ فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منها إلا أعطيته‏".‏ ‏(‏‏‏رواه مسلم‏)‏

 

 باب استحباب الاجتماع على القراءة‏:‏

 

 -1021- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده‏".‏ ‏(‏‏‏رواه مسلم‏)‏‏

  

 

باب فضل المشي إلى المساجد

------------------------

 

 

1051- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح‏"‏‏.‏ ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

1052- وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏: ‏‏"‏من تطهر في بيته، ثم مضى إلى بيت من بيوت الله، ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته، إحداها تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة‏"‏. ‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏

 

1053- وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال‏:‏ كان رجل من الأنصار لا أعلم أحدًا أبعد من المسجد منه، وكانت لا تخطئه صلاة‏!‏ فقيل له‏:‏ لو اشتريت حمارًا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء قال‏:‏ ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد. إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏قد جمع الله لك ذلك كله‏".‏ ‏(‏‏‏رواه مسلم‏)‏‏

 

1054- وعن جابر رضي الله عنه قال‏:‏ خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم‏:‏ ‏"‏بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك، فقال‏:‏ ‏"‏بني سلمة دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم‏"‏. فقالوا‏:‏ ما يسرنا أنا كنا تحولنا‏"‏. ‏(‏‏‏رواه مسلم، وروى البخاري معناه من رواية أنس‏)‏‏

 

1055- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى، فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرًا من الذي يصليها ثم ينام‏".‏ ‏(‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

1056- وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏بشروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة‏"‏. ‏(‏‏‏رواه أبو داود والترمذي‏)‏‏

 

1057- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات‏؟‏‏"‏ قالوا بلى يا رسول الله‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط‏"‏. ‏(‏‏رواه مسلم‏)‏‏‏

 

1058- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، قال الله عز وجل: ‏{‏إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر‏}‏. ‏‏‏(‏الآية: التوبة 18‏).‏ (رواه الترمذي وقال حديث حسن‏)‏‏

 

 

 

 

باب تحريم الكذب

 

 

 

رؤيا النبيّ

 

 صلى الله عليه وسلم

 

 

 

عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلاَةَ الْغَدَاةِ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟». فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ رَأَى تِلْكَ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَيْهِ فَيَقُولُ فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ.

فَسَأَلَنَا يَوْماً فَقَالَ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟». قَالَ فَقُلْنَا لاَ. قَالَ: «لَكِنْ أَنَا رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدَيّ فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ فَضَاءٍ أَوْ أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ، فَمَرَّا بِي عَلَى رَجُلٍ وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ. فَيُدْخِلُهُ فِي شِدْقِهِ فَيَشُقُّهُ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ثُمَّ يُخْرِجُهُ فَيُدْخِلُهُ فِي شِقِّهِ الآخَرِ، وَيَلْتَئِمُ هَذَا الشِّقُّ، فَهُوَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ قُلْتُ مَا هَذَا؟ قَالاَ انْطَلِقْ!

فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا فَإِذَا رَجُلٌ مُسْتَلْقٍ عَلَى قَفَاهُ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ فِهْرٌ أَوْ صَخْرَةٌ فَيَشْدَخُ بِهَا رَأْسَهُ فَيَتَدَهْدَى الْحَجَرُ فَإِذَا ذَهَبَ لِيَأْخُذَهُ عَادَ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ فَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ قَالاَ لِي انْطَلِقْ!

فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا فَإِذَا بَيْتٌ مَبْنِيّ عَلَى بِنَاءِ التَّنُّورِ أَعْلاَهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ يُوقَدُ تَحْتَهُ نَارٌ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، فَإِذَا أُوقِدَتِ ارْتَفَعُوا حَتَّى يَكَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا. فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ قَالاَ لِي انْطَلِقْ!

فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا نَهَرٌ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ وَعَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ فَيُقْبِلُ الرَّجُلُ الَّذِى فِي النَّهَرِ، فَإِذَا دَنَا لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ حَجَراً فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَهُوَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ فَقَالاَ انْطَلِقْ!

فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا رَوْضَةٌ خَضْرَاءُ فَإِذَا فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ، وَإِذَا شَيْخٌ فِي أَصْلِهَا حَوْلَهُ صِبْيَانٌ، وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ فَهُوَ يَحْشُشُهَا وَيُوقِدُهَا. فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ فَأَدْخَلاَنِي دَاراً لَمْ أَرَ دَاراً قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا. فَإِذَا فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ، وَفِيهَا نِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ. فَأَخْرَجَانِى مِنْهَا فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ فَأَدْخَلاَنِي دَاراً هِي أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ مِنْهَا، فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ. فَقُلْتُ لَهُمَا إِنَّكمَا قَدْ طَوَّفْتُمَانِي مُنْذُ اللَّيْلَةِ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ. قَالاَ نَعَمْ:

أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي رَأَيْتَ فَإِنَّهُ رَجُلٌ كَذَّابٌ يَكْذِبُ الْكَذِبَةَ فَتُحْمَلُ عَنْهُ فِي الآفَاقِ فَهُوَ يُصْنَعُ بِهِ مَا رَأَيْتَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَصْنَعُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مَا شَاءَ.

وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتَ مُسْتَلْقِياً فَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْقُرْآنَ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا فِيهِ بِالنَّهَارِ، فَهُوَ يُفْعَلُ بِهِ مَا رَأَيْتَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَأَمَّا الَّذِي رَأَيْتَ فِى التَّنُّورِ فَهُمُ الزُّنَاةُ.

وَأَمَّا الَّذِي رَأَيْتَ فِي النَّهَرِ فَذَاكَ آكِلُ الرِّبَا.

وَأَمَّا الشَّيْخُ الَّذِي رَأَيْتَ فِى أَصْلِ الشَّجَرَةِ فَذَاكَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

وَأَمَّا الصِّبْيَانُ الَّذِي رَأَيْتَ فَأَوْلاَدُ النَّاسِ.

وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتَ يُوقِدُ النَّارَ وَيَحْشُشُهَا، فَذَاكَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ وَتِلْكَ النَّارُ.

وَأَمَّا الدَّارُ الَّتِي دَخَلْتَ أَوَّلاً فَدَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَمَّا الدَّارُ الأُخْرَى فَدَارُ الشُّهَدَاءِ.

وَأَنَا جِبْرِيلُ وَهَذَا مِيكَائِيلُ.

ثُمَّ قَالاَ لِي ارْفَعْ رَأْسَكَ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا هِي كَهَيْئَةِ السَّحَابِ. قَالاَ لِي وَتِلْكَ دَارُكَ. فَقُلْتُ لَهُمَا دَعَانِي أَدْخُلْ دَارِي. فَقَالاَ إِنَّهُ قَدْ بَقِي لَكَ عَمَلٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ، فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَهُ دَخَلْتَ دَارَكَ».

 

 

باب الإستغفار

 

1869- وعن الأغر المزني رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة‏".‏ ‏(‏‏رواه مسلم‏)‏

 

1870- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏،‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة‏".‏ ‏(‏‏رواه البخاري‏)‏

 

1871- وعنه رضي الله عنه قال‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ ‏"‏والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا، لذهب الله تعالى بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم‏".

‏(‏رواه مسلم‏)‏‏

 

1872- وعن ابن عمر رضي الله عنه قال‏:‏ كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة‏:‏ ‏"‏رب اغفر لي وتب على إنك أنت التواب الرحيم‏".‏ ‏(‏رواه أبوداود والترمذي‏)

1873- وعن ابن عباس رضي الله عنه قال‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار، جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب‏".

‏(‏رواه أبو داود‏)‏‏

 

1874- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ ‏"‏من قال‏‏ أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفرت ذنوبه، وإن كان قد فرّ من الزحف‏".‏ ‏(‏‏رواه أبو داود والترمذي والحاكم، وقال‏:‏ حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم‏)‏

 

1875- وعن شداد بن أوس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

 ‏

"‏سيد الإستغفار أن يقول العبد‏ اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك

 

ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا

 

يغفر الذنوب إلا أنت! من قالها من النهار موقنا بها، فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة،

 

ومن قالها من الليل وهو موقن بها، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة". ‏(‏‏رواه البخاري‏)

1876- وعن ثوبان رضي الله عنه قال‏،‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً وقال‏:‏ ‏"‏اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ياذا الجلال والإكرام‏".‏ قيل للأوزاعي- وهو أحد رواته‏:‏ كيف الإستغفار‏؟‏ قال‏،‏ يقول‏:‏ ‏"‏أستغفر الله، أستغفر الله‏"‏. ‏(‏رواه مسلم‏)‏

 

1877- وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏،‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل موته ‏"‏سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه‏".‏ ‏(‏‏متفق عليه‏)

1878- وعن أنس رضي الله عنه قال‏،‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ "قال الله تعالى‏:‏ يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني ، غفرت لك ولا أبالي؛ يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة‏"‏‏.‏ (رواه الترمذي وقال حديث حسن)

 

1879- وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

 

‏"‏يا معشر النساء تصدقن، وأكثرن من الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار‏"‏ قالت امرأة منهن‏:‏ مالنا

 

 أكثر أهل النار‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، مارأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب

 

 منكن‏".‏ قالت‏‏ ما نقصان العقل والدين‏؟‏ قال:‏‏ ‏"‏شهادة امرأتين بشهادة رجل، وتمكث الأيام لا تصلي‏".‏ ‏(‏‏رواه مسلم‏)‏  

 

 

 

باب بيان ما أعد الله للمؤمنين في الجنة

 

 

1880- وعن جابر رضي الله عنه قال‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ "يأكل أهل الجنة فيها، ويشربون، ولا يتغوطون، ولا يتمخطون، ولا يبولون، ولكن طعامهم ذلك جشاء كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتكبير، كما يلهمون النفس‏"‏. ‏(‏‏‏رواه مسلم‏)‏‏.‏

 

1881- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ ‏"‏قال الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، واقرؤوا إن شئتم‏:‏ ‏{‏فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون‏}‏. ‏(‏‏‏السجدة‏:‏17‏‏‏)‏ ‏(‏‏‏متفق عليه‏‏‏)‏‏

 

1882- وعنه قال‏،‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏"‏أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يتمخطون، أمشاطهم الذهب، وريحهم المسك، ومجامرهم الألوة -عود الطيب- أزواجهم الحورالعين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء‏"‏. ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

وفي رواية للبخاري ومسلم‏:‏ آنيتهم فيها الذهب، ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم، ولا تباغض‏،‏ قلوبهم قلب رجل واحد، يسبحون الله بكرة وعشياً‏.‏

 

1883- وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏سأل موسى صلى الله عليه وسلم ربه، ما أدنى أهل الجنة منزلة؟‏ قال‏:‏ هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له:‏ ادخل الجنة، فيقول‏:‏ أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم‏؟‏ فيقول له‏:‏ أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا‏؟‏ فيقول‏:‏ رضيت رب، فيقول‏:‏ لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله، فيقول في الخامسة‏:‏ رضيت يا رب فيقول‏:‏ هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك، ولذت عينك، فيقول‏:‏ رضيت رب. قال رب فأعلاهم منزلة‏؟‏ قال‏:‏ أولئك الذين أردت؛ غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر‏". ‏(‏‏‏رواه مسلم‏)‏‏

 

1884- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ ‏"‏إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة، رجل يخرج من النار حبوا؛ فيقول الله عز وجل له‏:‏ اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول‏:‏ يا رب وجدتها ملأى، فيقول الله عز وجل له‏:‏ اذهب فادخل الجنة، فيرجع فيقول‏:‏ يا رب وجدتها ملأى، فيقول الله عز وجل له‏:‏ اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول‏:‏ يا رب وجدتها ملأى‏!‏ فيقول الله عز وجل له‏:‏ اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا، فيقول‏:‏ أتسخر بي، أو تضحك بي، وأنت الملك؟ قال‏:‏ فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه. فكان يقول‏:‏ ‏"‏ذلك أدنى أهل الجنة منزلة‏". ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

1885- وعن أبي موسى رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً. ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

1886- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة سنة ما يقطعها‏".‏ ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏

وروياه في ‏"‏الصحيحين‏"‏ أيضاً من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ ‏"‏يسير الراكب في ظلها مائة سنة ما يقطعها‏"‏‏.‏

 

1887- وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم‏".‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم‏؟‏ قال‏:‏ "بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين‏".‏ ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

1888- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لقاب قوس في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس أو تغرب‏". ‏(‏‏متفق عليه‏)‏

 

1889- وعن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن في الجنة سوقاً يأتونها كل جمعة‏.‏ فتهب ريح الشمال، فتحثوا في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم‏:‏ والله لقد ازددتم حسناً وجمالاً‏!‏ فيقولون‏:‏ وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً‏!‏‏"‏ ‏(‏‏رواه مسلم‏)‏

 

1890- وعن سهل بن سعد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما تتراءون الكوكب في السماء‏".‏ ‏(‏‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

1891- وعنه رضي الله عنه قال‏:‏ شهدت من النبي صلى الله عليه وسلم مجلساً وصف فيه الجنة حتى انتهى، ثم قال في آخر حديثه‏:‏ ‏"‏فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر‏".‏ ثم قرأ: ‏{‏تتجافى جنوبهم عن المضاجع‏}‏ إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين‏}‏‏.‏ ‏(‏رواه البخاري‏)‏‏

1892- وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ "إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي مناد‏‏ إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً‏".‏ ‏(‏‏‏رواه مسلم‏)‏‏

 

1893- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن أدنى مقعد أحدكم من الجنة أن يقول له‏:‏ تمنّ! فيتمنى ويتمنى، فيقول له‏:‏ هل تمنيت‏؟‏ فيقول‏:‏ نعم، فيقول له‏:‏ فإن لك ما تمنيت ومثله معه‏".‏ ‏(‏‏رواه مسلم‏)

1894- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة‏:‏ يا أهل الجنة، فيقولون ‏:‏ لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول‏:‏ هل رضيتم‏؟‏ فيقولون‏:‏ وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا مالم تعط أحداً من خلقك‏!‏ فيقول‏:‏ ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون‏:‏ وأي شيء أفضل من ذلك‏؟‏ فيقول‏:‏ أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً‏". ‏(‏‏متفق عليه‏)‏

 

1895- وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال‏،‏ كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر، وقال‏:‏ ‏"‏إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته‏".‏ ‏(‏‏متفق عليه‏)‏‏

 

1896- وعن صهيب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى‏:‏ تريدون شيئاً أزيدكم‏؟‏ فيقولون‏:‏ ألم تبيض وجوهنا‏؟‏ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار‏؟‏ فيكشف الحجاب، فما أعطو شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم‏".‏ ‏(‏‏رواه مسلم‏)‏

  

 

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال‏:

كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال‏:

"‏يا غلام إني أعلمك كلمات‏:

‏احفظ الله يحفظك؛ احفظ الله تجده تجاهك؛

إذا سألت فاسأل الله؛ وإذا استعنت فاستعن بالله.

واعلم‏‏ أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء،

لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك؛

وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء،

لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك؛

رفعت الأقلام، وجفت الصحف‏"‏.

وفي رواية:

تعرّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة،

واعلم ان ما اخطأك لم يكن ليصيبك؛ وما اصابك ما كان ليخطئك.

واعلم ان النصر مع الصبر؛ وأن الفرج مع الكرب؛ وان مع العسر يسرا.

 

 

5976 - وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ صَيْفِىٍّ - وَهُوَ عِنْدَنَا مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ - أَخْبَرَنِى أَبُو السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ فِى بَيْتِهِ قَالَ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّى فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى يَقْضِىَ صَلاَتَهُ فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا فِى عَرَاجِينَ فِى نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا حَيَّةٌ فَوَثَبْتُ لأَقْتُلَهَا فَأَشَارَ إِلَىَّ أَنِ اجْلِسْ. فَجَلَسْتُ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِى الدَّارِ فَقَالَ أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ فَقُلْتُ نَعَمْ. قَالَ كَانَ فِيهِ فَتًى مِنَّا حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ - قَالَ - فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْخَنْدَقِ فَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِأَنْصَافِ النَّهَارِ فَيَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ فَاسْتَأْذَنَهُ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « خُذْ عَلَيْكَ سِلاَحَكَ فَإِنِّى أَخْشَى عَلَيْكَ قُرَيْظَةَ ». فَأَخَذَ الرَّجُلُ سِلاَحَهُ ثُمَّ رَجَعَ فَإِذَا امْرَأَتُهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ قَائِمَةً فَأَهْوَى إِلَيْهَا الرُّمْحَ لِيَطْعُنَهَا بِهِ وَأَصَابَتْهُ غَيْرَةٌ فَقَالَتْ لَهُ اكْفُفْ عَلَيْكَ رُمْحَكَ وَادْخُلِ الْبَيْتَ حَتَّى تَنْظُرَ مَا الَّذِى أَخْرَجَنِي. فَدَخَلَ فَإِذَا بِحَيَّةٍ عَظِيمَةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ فَانْتَظَمَهَا بِهِ ثُمَّ خَرَجَ فَرَكَزَهُ فِى الدَّارِ فَاضْطَرَبَتْ عَلَيْهِ فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الْحَيَّةُ أَمِ الْفَتَى قَالَ فَجِئْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ وَقُلْنَا ادْعُ اللَّهَ يُحْيِيهِ لَنَا. فَقَالَ «اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ». ثُمَّ قَالَ «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ».

  

 

 

 

من كتاب حياة الصحابة

 

(للشيخ الكاندهلوي)

 

===========

 

 

 

ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم

 

والصحابة رضي الله عنهم

 

في الكتب المتقدمة على القرآن

 

.

أَخرج أحمد عن عطاء بن يَسَار قال: لقيتُ عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما فقلت: أَخبرني عن صفاتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، فقال: أجلْ. الله إِنه لموصوفٌ في التوراة بصفته في القرآن:

 

(يا أَيها النبيُّ إِنَّا أَرسلناك شاهداً، ومبشِّراً، ونذيراً، وحِراً للأمِّيين، أنت عبدي ورسولي، سميتُك المتوكِّل، لا فَظٌ ولا غليظٌ ولا صخَّابٌ في الأَسواق، لا يدفُع بالسيئةِ السيئةَ ولكن يعفو ويغفرُ، ولن يقبضه الله حتى يقيموا الملّة العوجاءَ بأَن يقولوا لا إله إِلا الله، يفتحُ به أَعيناً عُمْياً، وآذاناً صُمّاً، وقلوباً غُلْفاً).

 

وأَخرجه البخاري نحوه عن عبد الله البيهقي عن ابن سَلام، وفي رواية: «حتى يقيم به الملّة العوجاء». وأَخرجه ابن إِسحاق عن كعب الأَحبار بمعناه. وأَخرجه البيهقي عن عائشة رضي الله عنها مختصراً. وذكر وَهْب بن مُنَبِّه أَن الله تعالى أوحى إلى داود في الزبور:

 

«يا داود، إِنَّه سيأتي من بعدك نبيٌّ إسمه أحمد ومحمد، صادقاً سيّداً، لا أغضب عليه أبداً، وقد غفرت له قبل أَن يعصيني ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، وأمته مرحومة؛ أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء، وفرضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأَنبياء والرسل، حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء. يا داود، إنّي فضلت محمداً وأمته على الأمم كلِّها».

 

أخرج أبو نُعَيم في الحلية عن سعيد بن أبي هلال أنَّ عبد الله بن عمرو قال لكعب أَخبرني عن صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، قال: أجدُهم في كتاب الله تعالى:

 

{إن أحمد وأمته حمّادون يحمدون الله عز وجل على كل خير وشر، يكبرون الله على كل شرف، ويسبحون الله في كل منزل، نداؤهم في جو السماء، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل على الصخر، يصفون في الصلاة كصفوف الملائكة، ويصفون في القتال كصفوفهم في الصلاة، إذا غزوا في سبيل ا كانت الملائكة بين أيديهم ومن خلفهم برماح شداد، إذا حضروا الصف في سبيل الله كان الله عليهم مظلا، وأشار بيده كما تظل النسور على وكورها لا يتأخرون زحفا أبدا}.

 

وأخرجه أيضاً بإِسناد آخر عن كعب بنحوه وفيه:

 

«وأمّته الحمَّادون يحمدون الله على كل حال، ويكبِّرونه على كل شَرَف، رُعاة الشمس، يصلُّون الصلوات الخمس لوقتهن ولو على كُناسة، يأتـزرون على أَوساطهم، ويوضِّئون أطرافهم».

 

 

 

الأحاديث في صفة النبي صلى الله عليه وسلم

 

أخرج يعقوب بن سفيان الفَسَوي الحافظ عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: سألت خالي هند بن أبي هالة -وكان وصَّافاً- عن حِلْية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأَنا أشتهي أَن يصف لي منها شيئاً أَتعلَّق به، فقال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فَخْماً مُفَخَّماً، يتلألأُ وجهه تلألؤَ القمر ليلة البدر. أطولَ من المربوع (ما بين الطويل والقصير) وأَقصر من المشذَّب (الطويل البائن الطول الحسن الخلق). عظيم الهامة (الرأس). رَجْل (شعره بين السبوطة والجعودة) الشعر، إِذا تفرقت عقيصته (الشعر المعقوص، وهو نحو من المضفور. وأصل العقص: أللّي وإدخال أطراف الشعر في أصوله. وهكذا جاء في رواية، والمشهور "عقيقته" لأنه لم يكن يعقص شعره. والمعنى: إن انفرقت من ذات نفسها وإلاّ تركها على حالها ولم يفرقها) فَرَق، وإِلا فلا يجاوز شعرُه شحمةَ أذنيه إذا وفَّره. أزهر اللون. واسع الجبين. أَزجَّ الحواجب (مقوّس الحاجبين)، سوابغ في غير قَرَن (كاملات دون اقتران بين الحاجبين)، بينهما عِرْق يُدِرُّه (يصيّره الغضب ممتلئا دما) الغضب. أَقنى (طويل الأنف مع دقة في أرنبته) العِرنين (ما صلب من الأنف، وقيل كلّه)، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأَمله أَشمّ (الشمم: ارتفاع في قصبة الأنف مع استواء أعلاه). كَثَّ اللحية (عظيمها). أَدعج (شديد سواد العين). سهل الخدين. ضليع الفم (واسعه، والعرب تمدح ذلك لأن سعته دليل على الفصاحة). أَشنب (الشنب: رقة الأسنان ورونقها)، مُفَلَّجَ (الفلج: إنفراج وتباعد بين الأسنان) الأَسنان. دقيق المَسربة (الشعر الدقيق من الصدر الى السرة). كأَن عنقه جيد (عنق) دُمية (صورة متخذة من عاج أو غيره. والمراد أنه في اعتدال وحسن هيئة وكمال وإشراق) في صفاء الفضة، معتدلَ الخَلْق. بادناً (سمينا معتدل السمن) متماسكاً (ضد مسترخيا). سَوَاء البطن والصدر. عريض الصدر. بعيدَ ما بين المنكبين. ضخم الكراديس (رؤوس العظام). أنورَ المتجرد (نيّر العضو المتجرد عن الشعر او عن الثوب). موصولَ ما بين اللبة والسُّرَّة بشعر يجري كالخط. عاري الثديَيْن والبطن مما سوى ذلك. أَشعرَ الذراعين والمنكبين وأَعالي الصدر. طويلَ الزندين. رَحْبَ الرَّاحة. سبط القصب (مستقيم العظام الفارغة الجوف). شثن (غليظ الأصابع والراحة) الكفَّين والقدمين. سائل الأطراف (طويلها مع اعتدال واستقامة). خُمْصان الأخْمَصين (أخمص القدم: هو الموضع الذي لا يمس الأرض عند الوطء من وسط القدم. والخمصان: المبالغ فيه، أي ان ذلك شديد التجافي عن الأرض). مسيح (أملسهما، ليس فيهما تكسر ولا شقاق) القدمين، ينبو عنهما الماءُ. إِذا زال زال قَلْعاً (رفع رجله عن الأرض رفعا بقوّة لا كمن يمشي اختيالا ويقارب خطاه تبخترا). يخطو تكفُّؤا (في معنى ما سبقه، أي يتجه الى الأمام) ويمشي هوناً (أي في سكينة ووقار). ذَرِيع (سريع) المِشية، إذا مشى كأَنما ينحطُّ من صبب (أرض منحدرة). وإِذا التفت التفت جميعاً، خافض الطرف، نظرُه إِلى الأرض أَطول من نظره إِلى السماء، جُلُّ نظره الملاحظة، يسوق أصحابه (يقدم أصحابه بين يديه ويمشي خلفهم)، ويبدأ من لقيه بالسلام».

 

قلت صفْ لي منطقه، قال: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم متواصِلَ الأَحزان. دائمَ الفكرة. ليست له راحة. لا يتكلَّم في غير حاجة. طويلَ السكوت. يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه (بجوانب الفم). يتكلم بجوامع الكلم. كلامه فَصْل (على مهل، مفصول بعضه عن بعض) لا فضول ولا تقصير (لا يزيد عن الحاجة ولا يقصر عنها). دَمِث (ليّن الخلق). ليس بالجافي ولا المَهين، يعظِّم النِّعمة وإِن دقَّت، لا يذم منها شيئاً ولا يمدحه. ولا يقوم لغضبه - إِذا تُعرِّض للحق - شيءٌ حتى ينتصر له. وفي رواية: لا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإِذا تُعرِّض للحق لم يعرفه أَحد ولم يقم لغضبه شيءٌ حتى ينتصر له. لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها. إِذا أَشار أَشار بكفِّه كلِّها، وإِذا تعجَّب قَلَبها، وإِذا تحدَّث يصل بها يضرب براحته اليمنى باطن إِبهامه اليسرى. وإِذا غضب أَعرض وأشاح (أعرض مبديا كرها أو ازدراء). وإذا فرح غضَّ طرفه، جُلُّ ضحك التبسُّم يفترُّ (يبتسم ويضحك) عن مِثْل حبِّ الغَمام (شبّه أسنانه بالبرد بياضا).

 

قال الحسين: فكتمتُها الحسنَ بن علي زماناً ثم حدَّثته فوجدته قد سبقني إِليه، فسأَله عما سأَلتُه عنه ووجدتُه قد سأل أَباه عن مَدْخله ومَخْرجه ومجلسه وشكله فلم يدعْ منه شيئاً.

 

قال الحسين: سأَلت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كان دخولُه لنفسه مأذوناً له في ذلك، وكان إِذا أَوى إلى منزله جزَّأَ دخولَه ثلاثة أَجزاء: جزءاً لله، وجزءاً لأهله، وجزءاً لنفسه، ثم جزَّأَ جزأه بينه وبين الناس فردَّ ذلك على العامة والخاصَّة لا يدَّخر عنهم شيئاً. وكان من سيرته في جزء الأمّة إيثار أَهل الفضل بإِذنه وقَسْمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما يصلحهم والأمة من مسأَلته عنهم وإِخبارهم بالذي ينبغي لهم ويقول: «ليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته؛ فإِنه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع إِبلاغها إِياه ثبَّت الله قدميه يوم القيامة»، لا يُذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيرَهُ، يدخلون عليه رُوّاداً ولا يفترقون إلا عن ذَواق (وفي رواية: ولا يفترقون إلا عن ذوق) ويخرجون أدلّة، يعني على الخير.

 

قال وسأَلته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟ فقال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزُن لسانه إِلا بما يعنيه. ويؤلِّفهم ولا ينفِّرهم. ويكرم كريم كل قوم ويولِّيه عليهم. ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أَن يطوي على أَحد منهم بِشْرَه ولا خُلُقَه. يتفقَّد أَصحابه، ويسأَل الناس عمَّا في الناس، ويحسِّن الحسن ويقوِّيه، ويقبِّح القبيح ويُوَهِّيه. معتدل الأمر غير مختلف. لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا. لكلِّ حال عنده عتاد. ولا يقصِّر عن الحق ولا يحوزه. الذين يلونه من الناس خيارهم، أَفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأَعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة وموازرة.

 

قال: فسأَلته عن مجلسه كيف كان؟ فقال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر. ولا يُوطن الأَماكن وينهى عن إِيطانها. وإِذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك. يعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أَنَّ أحداً أكرم عليه منه، من جالسه أَو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأَله حاجة لم يردّه إِلا بها أو بميسور من القول. قد وسع الناسَ منه بَسطُه وخلقُه، فصار لهم أباً وصاروا عنده في الحق سواء. مجلسُهُ مجلسُ حلم وحياءٍ وصبر وأمانة، لا تُرفع فيه الأصوات، ولا تُؤْبن فيه الحرم، ولا تُنثَى فلتاته. متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين يوقِّرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب».

 

قال: فسأَلته عن سيرته في جلسائه فقال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البِشْر، سهل الخُلُق، لين الجانب، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا سخَّاب، ولا فحّاش، ولا عيّاب، ولا مزَّاح. يتغافل عما لا يشتهي، ولا يُؤْيس منه راجيَه، ولا يخيب فيه. قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإِكثار، وما لا يعنيه. وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أَحداً ولا يعيِّره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إِلا فيما يرجو ثوابه. إِذا تكلم أطرق جلساؤه كأَنما على رؤوسهم الطير، فإِذا تكلم سكتوا وإِذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده. يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه. ويصبر للغريب على الجفْوة في منطقه ومسأَلته، حتى إِن كان أَصحابه (ليستجلبونهم) في المنطق، ويقول: إِذا رأَيتم صاحب حاجة فأَرْفدوه. ولا يقبل الثناء إِلا من مكافىء ولا يقطع على أَحد حديثه حتى يَجُوز فيقطعه بنهي أَو قيام».

 

قال: فسأَلته كيف كان سكوته؟ قال «كان سكوته على أربع: الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكر؛ فأَما تقديره ففي تسويته النظر والإستماع بين الناس، وأمَّا تذكُّره - أو قال: تفكُّره - ففيما يبقى ويفنى. وجُمع له صلى الله عليه وسلم الحلم والصبر فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزّه. وجُمَع له الحذر في أربع: أَخذه بالحسنى، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته، والقيامُ فيما جمع لهم الدنيا الآخرة صلى الله عليه وسلم.

  

 

 

زهد النبي

 

صلى الله عليه وسلم

 

حديث عمر في تأثير الحصير في جنبه عليه السلام

 

 

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال حدَّثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال:

 دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير. فجلست فإذا عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثَّر في جنبه. وإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، وقَرَظ في ناحية في الغرفة، وإذا إِهاب معلَّق، فابتدرتْ عيناي.

 

فقال: «ما يبكيك يا ابن الخطاب؟»

 

فقال: يا نبي الله وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثَّر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار، وأنت نبي الله وصفوته وهذه خزانتك.

 

قال: «يا ابن الخطاب، أما ترضَى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟»

 

وأخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. ولفظُه: قال عمر رضي الله عنه: إستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه في مَشْرَبة وإنه لمضطجع على خَصَفة إِنَّ بعضه لعلى التراب، وتحت رأسه وسادة محشوة ليفاً، وإنَّ فوق رأسه لإِهاباً عطِناً، وفي ناحية المشربة قَرَظ.

 

سلمت عليه فجلست فقلت: أنت نبي الله وصفوته، وكسرى وقيصر على سرر الذهب وفرش الديباج والحرير! فقال: «أولئك عُجِّلت لهم طيباتهم وهي وشيكة الانقطاع، وإنَّا قوم أُخِّرت لنا طيباتنا في آخرتنا».

 

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه عمر رضي الله عنه وهو على حصير قد أثَّر في جنبه. فقال: يا رسول الله، لو اتخذتَ فراشاً أوثَر من هذا. فقال: «ما لي وللدنيا؟ ما مَثَلي ومَثَل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة ثم راح وتركها».


فراشه عليه السلام

 

عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت عليَّ إمرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة مثنية، فبعثت إليَّ بفراش حشوه الصوف. فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذا يا عائشة؟» قالت قلت: يا رسول الله، فلانة الأنصارية دخلت فرأت فراشك، فذهبت فبعثت إليَّ بهذا. فقال: «ردِّيه يا عائشة، فوالله لو شئتُ لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة».

 

طعامه ولباسه عليه السلام

 

وأخرج ابن ماجه، والحاكم عن أنس رضي الله عنه قال: لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوف، واحتذى المخصوف. وقال: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم بَشِعاً، ولبس حِلْساً خشناً، قيل للحسن: ما البشع؟ قال: غليظ الشعير، ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسيغه إلا بجرعة من ماء.

 

رغيف أم أيمن

 

وأخرج ابن ماجه، وابن أبي الدنيا في كتاب الجوع وغيرهما عن أم أيمن رضي الله عنها أنها غربلت دقيقاً، فصنعته للنبي صلى الله عليه وسلم رغيفاً، فقال: «ما هذا؟» قالت: طعام نصنعه بأرضنا فأحببت أن أصنع لك منه رغيفاً، فقال: «ردِّيه (فيه) ثم اعجنيه).

 

أكله عليه السلام

 

عن سَلمى إمرأة أبي رافع رضي الله عنهما قالت: دخل عليَّ الحسن بن علي وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم فقالوا: إصنعي لنا طعاماً ممَّا كان يُعجب النبي صلى الله عليه وسلم أكله. قالت يا بَنيَّ إذاً لا تشتهونه اليوم. فقمت فأخذت شعيراً فطحنته ونسفته وجعلت منه خبزة، وكان أُدْمُه الزيت، ونثرت عليه الفلفل فقربته إليهم، وقلت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب هذا.

 

حديث ابن عمر في زهده عليه السلام

 

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان الأنصار، فجعل يلتقط من التمر ويأكل. فقال لي: «يا ابن عمر، ما لك لا تأكل؟» قلت: لا أشتهيه يا رسول الله. قال: «ولكني أشتهيه، وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاماً. ولو شئت لدعوتُ ربِّي عزّ وجلّ فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر. فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبِّئون رزق سنتهم ويضعف اليقين؟»

 

فولله ما برحنا حتى نزلت: {وَكَأَيّن مّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (العنكبوت: 60). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله لم يأمرني بكنز الدنيا ولا باتِّباع الشهوات. فمن كنز دنيا يريد بها حياة باقية فإن الحياة بيد الله عزّ وجلّ. ألا وإنِّي لا أكنز ديناراً ولا درهماً ولا أخْبَأُ رزقاً لغد».


رواية أم المؤمنين عائشة في هذا الأمر


عن عائشة رضي الله عنها قالت: أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقَدَح فيه لبن وعسل فقال: «شَربتين في شَرْبة وأُدْمَين في قدح؟ لا حاجة لي به. أمَا إنِّي لا أزعم أنه حرام، ولكن أكره أن يسألني الله عزّ وجلّ عن فُضول الدنيا يوم القيامة، أتواضع لله، فمن تواضع لله رفعه الله، ومن تكبَّر وضعه الله، ومن اقتصد أغناه الله، ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله».

 

 

 

قصة عمير بن سعد الأنصاري رضي الله عنه

 

سيرته لما بعثه عمر رضي الله عنهما عاملاً على حمص

 

 وقول عمر فيه

 

أخرج أبونعيم في الحلية عن عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن عمير بن سعد الأنصاري رضي الله عنه قال: بعثه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عاملاً على حمص، فمكث حولاً لا يأتيه خبره. فقال عمر لكاتبه أكتب إلى عمير، فوالله ما أراه إِلا قد خاننا:

 

«إذا جاءك كتابي هذا فأقبل، وأقبل بما جبيت من فيء المسلمين حين تنظر في كتابي هذا».

 

فأخذ عمي رضي الله عنه جرابه، فجعل فيه زاده وقصعته، وعلَّق إداوته، وأخذ عَنَزَته، ثم أقبل يمشي من حمص حتى دخل المدينة. قال: فقدم وقد شحب لونه واغبرَّ وجهه وطالت شَعْرته. فدخل على عمر رضي الله عنه وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

 

فقال عمر: ما شأنك؟ فقال عمير: ما ترى من شأني؟ ألست تراني صحيح البدن، طاهر الدم، معي الدنيا أجرُّها بقَرنها. قال: وما معك؟ فظن عمر رضي الله عنه أنه قد جاء بمال. فقال: معي جرابي أجعل فيه زادي، وقَصْعتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي وثيابي، وإداوتي أحمل فيها وَضوئي وشرابي، وعَنَزَتي أتوكأ عليها وأُجاهد به عدواً إن عرض؛ فوالله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي.

 

قال عمر: فجئت تمشي؟ قال: نعم. قال: أما كان لك أحد يتبرع لك بدابة تركبها؟ قال: ما فعلوا وما سألتهم ذلك. فقال عمر رضي الله عنه: بئس المسلمون خرجت من عندهم. فقال له عمير رضي الله عنه: إتَّق الله يا عمر، قد نهاك الله عن الغيبة، وقد رأيتُهم يصلّون صلاة الغداة.

 

قال عمر: فأين بعثتك؟ - وفي رواية الطبراني: فأين ما بعثتك به؟ - وأي شيء صنعت؟ قال: وما سؤالك يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: سبحان الله! فقال عمير: أما لولا أنِّي أخشى أن أغمَّك ما أخبرتك، بعثتني حتى أتيت البلد، فجمعت صُلَحاء أهلها فوليتهم جباية فيْئِهم، حتى إذا جمعوه وضعته مواضعه ولو نالك منه شيء لأتيتك به. قال: فما جئتنا بشيء؟ قال: لا. قال: جدِّدوا لعمير عهداً. قال: إنَّ ذلك لشيء لا عملت لك ولا لأحد بعدك، والله ما سلمت بل لم أسلم، لقد قلت لنصراني - أي أخزاك الله - فهذا ما عرضتني له يا عمر، وإن أشقَى أيامي يوم خُلِّفت معك يا عمر؛ فاستأذنه فأذن له فرجع إلى منزله، قال: وبينه وبين المدينة أميال.

 

فقال عمر رضي الله عنه حين انصرف عمير: ما أراه إلا قد خاننا، فبعث رجلاً يقال له الحارث وأعطاه مائة دينار، فقال له: إنطلق إلى عمير حتى تنزل به كأنك ضيف، فإن رأيت أثر شيء فأقبل، وإِن رأيت حالة شديدة فادفع إليه هذه المائة الدينار.

 

 فانطلق الحارث فإذا هو بعُمير جالس يَفلي قميصه إلى جانب الحائط. فسلَّم عليه الرجل، فقال له عُمَير: أنزل رحمك الله؛ فنزل. ثم سأله فقال: من أين جئت؟ قال: من المدينة. قال: فكيف تركت أمير المؤمنين؟ قال: صالحاً. قال: فكيف تركت المسلمين؟ قال: صالحين. قال: أليس يقيم الحدود؟ قال: بلى، ضرب إبناً له أتى فاحشة، فمات من ضربه. فقال عمير: اللهمَّ أعِن عمر، فإني لا أعلمه إلا شديداً حبه لك.

 

 قال: فنزل به ثلاثة أيام وليس لهم إلا قرصة من شعير كانوا يخصُّونه بها ويطوون حتى أتاهم الجهد. فقال له عمير: إنك قد أجعتنا فإن رأيت أن تتحول عنا فافعل. قال: فأخرج الدنانير فدفعها إليه فقال: بعث بها إليك أمير المؤمنين فاستعن بها. قال: فصاح، وقال: لا حاجة لي فيها ردَّها. فقالت له إمرأته: إن احتجت إِليها وإلا فضعها مواضعها. فقال عمير: والله ما لي شيء أجعلها فيه، فشقَّت إمرأته أسفل درعها فأعطته خِرقة فجعلها فيها. ثم خرج فقسمها بين أبناء الشهداء والفقراء، ثم رجع والرسول يظن أنه يعطيه منها شيئاً. فقال له عمير: أقرىء مني أمير المؤمنين السلام.

 

فرجع الحارث إلى عمر، فقال: ما رأيت؟ قال: رأيت يا أمير المؤمنين حالاً شديداً. قال: فما صنع بالدنانير؟ قال: لا أدري. قال: فكتب إليه عمر إذا جاءك كتابي هذا فلا تضعه من يدك حتى تقبل. فأقبل إلى عمر فدخل عليه فقال له عمر: ما صنعت بالدنانير؟ قال: صنعت ما صنعت وما سؤالك عنها؟ قال: أنشد عليك لتخبرنِّي ما صنعت بها؟ قال: قدَّمتها لنفسي.

 

 قال عمر: رحمك الله، فأمر له بوَسْق من طعام وثوبين. فقال: أما الطعام فلا حاجة لي فيه قد تركت في المنزل صَاعَين من شعير إلى أن آكل ذلك قد جاء الله تعالى بالرزق، ولم يأخذ الطعام. وأما الثوبان فقال: إنَّ أُم فلان عارية، فأخذهما ورجع إلى منزله فلم يلبث أن هلك، رحمه الله.

 

 فبلغ عمر ذلك فشقَّ عليه وترحَّم عليه، فخرج يمشي ومعه المشاؤون إلى بقيع الغرقد، فقال لأصحابه: لِيَتَمنَّ كل رجل منكم أمنية. فقال رجل: وددت يا أمير المؤمنين أنَّ عندي مالاً فأعتق لوجه الله عزّ وجلّ كذا وكذا. وقال آخر: وددت يا أمير المؤمنين أنَّ عندي مالاً فأنفق في سبيل الله، وقال آخر: وددت لو أنَّ لي قوة فأمتح بدلو زمزم لحجّاج بيت الله.

فقال عمر: وددت أنَّ لي رجلاً مثل عمير بن سعد أستعين به في أعمال المسلمين.

 

 

 

قصة سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي رضي الله عنه

 

سيرته رضي الله عنه وهو عامل بحمص

 

أخرج أبونعيم في الحلية عن خالد بن معدان قال: إستعمل علينا عمر بن الخطاب بحمص سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي رضي الله عنه. فلما قدم عمر بن الخطاب حمص قال: يا أهل حمص، كيف وجدتم عاملكم؟ فشكوه إليه.

 

وكان يقال لأهل حمص الكُوَيفة الصغرى لشكايتهم العمال. قالوا: نشكو أربعاً:

 

* لا يخرج إِلينا حتى يتعالَى النهار.

 

قال: أعْظِم بها. قال: وماذا؟ قالوا:

 

* لا يجيب أحداً بليل.

 

قال: وعظيمة. قال: وماذا؟ قالوا:

 

* وله يوم في الشهر لا يخرج فيه إلينا.

 

قال: عظيمة. قال: وماذا؟ قالوا:

 

* يغنظ الغنظة بين الأيام - يعني تأخذه مُوتَة.

 

 

قال: فجمع عمر رضي الله عنه بينهم وبينه وقال: اللهمّ لا تفل رأيي فيه اليوم! ما تشْكون منه؟ قالوا: لا يخرج إِلينا حتى يتعالى النهار.

 

قال سعيد: والله إن كنت لأكره ذكره؛ ليس لأهلي خادم، فأعجن عجيني، ثم أجلس حتى يختمر، ثم أخبز خبزي، ثم أتوضأ ثم أخرج إليهم.

 

فقال عمر: ما تشْكون منه؟ قالوا: لا يجيب أحداً بليل. قال ما تقول؟

 

قال سعيد: إن كنت لأكره ذكره؛ إنِّي جعلت النهار لهم، وجعلت الليل لله عزّ وجلّ.

 

قال عمر: وما تشكون؟ قالوا: إنَّ له يوماً في الشهر لا يخرج إلينا فيه. قال: ما تقول؟

 

قال سعيد: ليس لي خادم يغسل ثيابي ولا لي ثياب أبدّلها.

 

قال عمر: ما تشكون منه؟ قالوا: يغنظ الغنظة بين الأيام. قال: ما تقول؟

 

قال سعيد: شهدت مصرع خُبَيب الأنصاري رضي الله عنه بمكة، وقد بضَّعت قريش لحمه، ثم حملوه على جذعة فقالوا؛ أتحب أن محمداً مكانك؟ فقال: والله ما أحب أنِّي في أهلي وولدي وأن محمداً صلى الله عليه وسلم شِيك بشوكة، ثم نادى: يا محمد! فما ذكرت ذلك اليوم، وتَرْكي نُصرته في تلك الحال، وأنا مشرك لا أؤمن بالله العظيم؛ إلا ظننت أن الله عزّ وجلّ لا يغفر لي بذلك الذنب أبداً. قال: فتصيبني تلك الغنظة. فقال عمر: الحمد لله الذي لم يفل فراستي.

 

فبعث إليه بألف دينار وقال: إستعن بها على أمرك. فقالت إمرأته: الحمد لله الذي أغنانا عن خدمتك. فقال لها: فهل لك في خير من ذلك؟ ندفعها إِلى من يأتينا بها أحوج ما نكون إليها، قالت: نعم. فدعا رجلاً من أهل بيته يثق به فصرَّرها صرراً، ثم قال: إنطلق بهذه إلى أرملة آل فلان، وإِلى يتيم آل فلان، وإِلى مسكين آل فلان، وإِلى مُبتَلى آل فلان.

 

فبقيت منها ذُهيبة. فقال: أنفقي هذه، ثم عاد إلى عمله. فقالت: ألا تشتري لنا خادماً؟ ما فعل ذلك المال. قال: سيأتيك أحوج ما تكونين.

 

 

 

زهد أبي الدرداء رضي الله عنه

 

 

حديثه رضي الله عنه في تركه التجارة والإقبال على العبادة

 

أخرج الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنت تاجراً قبل أن يُبعث النبي صلى الله عليه وسلم فلما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم أردت أن أجمع بين التجارة والعبادة فلم يستقم، فتركت التجارة وأقبلت على العبادة.

 

سبب زهده رضي الله عنه

 

= وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي الدرداء رضي الله عنه نحوه، وزاد: والذي نفس أبي الدرداء بيده، ما أحب أن لي اليوم حانوتاً على باب المسجد لا يخطئني فيه صلاة، أربح فيه كل يوم أربعين ديناراً وأتصدَّق بها كلِّها في سبيل الله. قيل له: يا أبا الدرداء، وما تكره من ذلك؟ قال: شدّة الحساب.

 

= وعند أبي نعيم أيضاً من طريق آخر عنه قال: ما يسرني أن أقوم على الدرج من باب المسجد، فأبيع وأشتري فأصيبَ كل يوم ثلاث مائة دينار، أشهد الصلاة كلها في المسجد، ما أقول: إن الله عزّ وجلّ لم يحل البيع ويحرم الربا، ولكن أحب أن أكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.

 

= وأخرج أبو نعيم في الحلية عن خالد بن حُدَير الأسلمي أنه دخل على أبي الدرداء رضي الله عنه وتحته فراش من جلد أو صوف، وعليه كساء صوف وسِبتية صوف، وهو وَجِع وقد عرق، فقال: لو شئتَ كسيت فراشك بوَرِق وكساء مِرعِزِّيّ مما يبعث به أمير المؤمنين؟ قال: إن لنا داراً، وإِنا لنظعن إليها ولها نعمل.

 

= وعن حسَّان بن عطية أن أصحاباً لأبي الدرداء رضي الله عنه تضيَّفوه فضيّفهم، فمنهم من بات على لِبدة، ومنهم من بات على ثيابه كما هو. فلما أصبح غدا عليهم فعرف ذلك منهم فقال: إن لنا داراً لها نجمع وإليها نرجع.

 

= وعند أحمد عن محمد بن كعب أن ناساً نزلوا على أبي الدرداء رضي الله عنه ليلة قَرَّة، فأرسل إليهم بطعام سخن ولم يرسل إليهم بلُحُف. فقال بعضهم: لقد أرسل إلينا بالطعام فما هنأنا مع القرّ، لا أنتهي أو أبيِّن له. قال الآخر: دعه، فأبى فجاء حتى وقف على الباب رآه جالساً وامرأته ليس عليها من الثياب إلا ما لا يذكر؛ فرجع الرجل وقال: ما أراك بتّ إلاّ بنحو ما بتنا به. قال: إن لنا داراً ننتقل إليها قدَّمنا فرشنا ولحفنا إليها، ولو ألفيتَ عندنا منه شيئاً لأرسلنا إِليك به، وإِن بين أيدينا عقبة كئوداً المُخِفُّ فيه خير من المُثْقِل. أفهمت ما أقول لك؟ قال: نعم.

 

ما وقع بينه وبين عمر رضي الله عنهما

 

وقد تقدَّم في الإِنكار على ترفع الأمير أن عمر رضي الله عنه دخل عليه فدفع الباب فإذا ليس له غَلَق، فدخل في بيت مظلم فجعل يلمسه حتى وقع عليه، فجسَّ وساده فإذا برذعة، وجسَّ فراشه فإذا بطحاء، وجسَّ دثاره فإذا كساء رقيق. قال عمر: رحمك الله، ألم أوسِّع عليك؟ ألم أفعل بك؟ فقال له أبو الدرداء: أتذكر حديثاً حدَّثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: أي حديث؟ قال أبو الدرداء: "ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب". قال: نعم! قال: فماذا فعلنا بعده يا عمر؟ قال: فما زالا يتجاوبان بالبكاء حتى أصبحا.

 

 

 

يقين أبي الدرداء فيما أخبر به عليه السلام

 

من حفظ الله سبحانه لمن قال كلمات

 

 

جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: يا أبا الدرداء احترق بيتك، قال: ما احترق. ثم جاء آخر فقال مثل ذلك. فقال ما احترق. ثم جاء آخر فقال: يا أبا الدرداء، انبعثت النار حتى انتهت إلى بيتك طفئت. قال: قد علمت أن الله عز وجل لم يكن ليفعل (ذاك). قال: يا أبا الدرداء ما ندري أي كلامك أعجب؟ قولك ما احترق، أو قولك قد علمت أن الله لم يكن ليفعل ذاك!

 

 قال أبوالدرداء: ذاك كلمات سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم من قالهن حين يصبح لم تصبه مصيبة حتى يمسي:

 

«اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، عليك توكلت وأنت رب العرش الكريم. ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم. أعلمُ أنَّ الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً. اللهم إنِّي أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إنَّ ربي على صراط مستقيم».

 

 

 

استجابة دعاء الصحابي أبي معلق

 

حين أراد لص قتله

 

 

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكنى أبا معلق، وكان تاجراً يتَّجر بمال له ولغيره، وكان له نُسُك وورع.

 

خرج مرة فلقيه لصٌّ مقنَّع في السلاح، فقال: ضَعْ متاعك فإني قاتلك. قال: شأنك بالمال. قال: لست أريد إلا دمك. قال: فَذَرْني أصلّي. قال: صلِّ ما بدا لك. فتوضأ ثم صلَّى فكان من دعائه:

 

يا ودود يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما يريد،

 

أسألك بعزَّتك التي لا تُرام، وملكك الذي لا يُضام،

 

وبنورك الذي ملأ أركان عرشك،

 

أن تكفيني شر هذا اللص،

 

 يا مغيث أغثني.

 

 

قالها ثلاثاً؛ فإذا هو بفارس بيده حربة رافعها بين أذني رأسه، فطعن اللصَّ فقتله، ثم أقبل على التاجر، فقال: من أنت؟ فقد أغاثني الله بك، قال: إني مَلَك من أهل السماء الرابعة؛ لما دعوتَ سمعتُ لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت ثانياً فسمعتُ لأهل السماء ضجّة، ثم دعوتَ ثالثاً فقيل: دعاء مكروب، فسألتُ الله أن يولِّيني قَتْله.

 

ثم قال: أبشر واعلم أنه من توضأ وصلَّى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب.

 

 

الصلاة

 

عن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه َقَالَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:

 

«إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَىْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِى مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ».

 

 عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ قَالَ:

 

إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلاَةُ الْمَكْتُوبَةُ، فَمَنْ أَتَمَّهَا حُوسِبَ بِمَا سِوَاهَا، وَإِنْ كَانَ قَدِ انْتَقَصَهَا قِيلَ انْظُرُوا هَلْ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٍ أُكْمِلَتِ الْفَرِيضَةُ مِنَ التَّطَوُّعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَطَوُّعٌ لَمْ تُكْمَلِ الْفَرِيضَةُ، وَأُخِذَ بِطَرَفَيْهِ فَقُذِفَ فِى النَّارِ.

 

 

Make a free website with Yola